وقال معمرٌ، عن الزهريِّ في هذا الحديثِ: خمَّس رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- خيبرَ، ولم يكنْ له ولا لأصحابِه عمَّالٌ يُعمِلونها ويزرَعونها، فدَعا يهودَ خيبرَ، وكانوا أُخرِجوا منها، فدفَع إليهم خيبرَ على أنْ يُعمِلوها على النِّصفِ، يؤدُّونَه إلى النبيِّ عليه السَّلامُ وأصحابِه، وقال لهم:"أُقرُّكم على ذلك ما أقرَّكم اللهُ". فكان يبعَثُ إليهم عبدَ الله بنَ رواحةَ، فيخرُصُ النخلَ حينَ يطِيبُ، ثم يخيِّرُ يهودَ خيبرَ، يأخُذونها بذلك الخَرْصِ أمْ يدفعُونَها بذلك الخَرْصِ. قال: وإنَّما أمَر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك لكي يُحصيَ الزكاةَ قبلَ أنْ يؤكَلَ التَّمرُ ويفرَّقَ، فكانوا كذلك. وذى تمامَ الخبرِ (١).
قال أبو عمر: أجمع العلماءُ مِن أهلِ الفقهِ والأثر، وجماعةُ أهلِ السِّيرِ، على أنَّ خيبرَ كان بعضُها عَنْوةً وبعضُها صُلحًا، وأنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قسَمها، فما كان منها صُلحًا، أو أُخِذَ بغيرِ قتالٍ، كالذي جَلا عنه أهلُه، عَمِل في ذلك كلِّه بسُنَّةِ الفيء، وما كان منها عَنوةً، عَمِل فيه بسُنَّةِ الغنائم، إلّا أنَّ ما فتَحه اللهُ عليه منها عَنْوةً، قسَمه بينَ أهلِ الحديبيةِ وبينَ مَن شهِد الوقعةَ. وقد رُويت في فتح خيبرَ آثارٌ كثيرةٌ ظاهرُها مختلِفٌ، وليس باختلافٍ عندَ العلماءِ على ما ذكرتُ لك، إلّا أنَّ فقهاءَ الأمصارِ اختلفوا في القياسِ على خيبرَ سائرَ الأرَضين المفتتحَةِ عَنْوةً، فمنهُم مَن جعَل خيبرَ أصلًا في قسمةِ الأرضينَ، ومنهم مَن أبى مِن ذلك، وذهَب إلى إيقافِها، وجعَلَها قياسًا على ما فعَل عمرُ بسَوادِ الكوفةِ، وسنبيِّنُ ذلك كلَّه في هذا البابِ إن شاء الله.
فأمَّا الآثارُ عن أهلِ العلم والسِّيرِ بأنَّ بعضَ خيبرَ كان عَنْوةً، وبعضَها كان صلحًا، فمِن ذلك ما رَوى ابنُ وَهْبٍ، عن مالكٍ، عن ابن شهابٍ، أنَّ خيبرَ
(١) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف ٥/ ٣٧٢ (٩٧٣٨) عن معمر بن راشد، به.