للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يزيدُ على ذلك، وإنما المأمومُ يؤمِّنُ، قالوا: وكما يجوزُ أن يسمَّى التأمينُ دعاء في اللغة، فكذلك يسمَّى الدعاءُ تأمينًا. واحتجُّوا بقولِ الله عزَّ وجلَّ: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} [يونس: ٨٩] لموسَى وهارونَ، ولا يختلفُ المفسِّرون أن موسَى كان يدعو، وهارونَ يؤمِّنُ، فقال اللهُ عزَّ وجلَّ: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}.

وحدَّثنا (١) عبدُ الوارث، قال: حدَّثنا قاسمٌ الخشنيُّ، قال: حدَّثنا ابنُ المثنى، قال: حدَّثنا يحيى بنُ أبي بكيرٍ، قال: حدَّثنا أبو جعفرٍ الرَّازيُّ، عن الربيع بنِ أنسٍ، قال: قلتُ لأبي العالية: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}؛ قال: إنما دعا موسى وأمَّن هارونُ، فمن ثَمَّ قال: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} (٢).

قال أبو عُمر: ما قالوه من هذا كلِّه فليس فيه حجةٌ، فليس في شيءٍ من اللغات أن الدعاءَ يُسمَّى تأمينًا، ولو صحَّ لهم ما ادعوه وسلِم لهم ما تأوَّلوه، لم يكنْ فيه إلّا أن التأمينَ يُسمَّى دعاءً، وأما أن الدعاءَ يقالُ له: تأمينٌ فلا، وإنما قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} ولم يقل: قد أُجيب تأمينُكما. فمَن قال: إنَّ الدعاءَ تأمينٌ، فمُغفَّلٌ لا رويَّةَ له، على أن قولَه عزَّ وجلَّ: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} إنّما قيل لأن الدعوةَ كانت لهما، وكان نفعُها عائدًا عليهما بالانتقام من أعدائهما؛ فلذلك قيل: {أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}، ولم يقل: دعوتاكما. ولو كان التأمينُ دعاءً لقال: قد أُجيبتْ دعوتاكما. وجائز أن يُسمَّى المؤمِّنُ داعيا؛ لأن المعنى في آمين: اللهُمَّ استجبْ لنا، على ما قدَّمنا ذكرَه، وهذا دعاءٌ، وغيرُ جائزٍ أن يُسمَّى الدعاءُ تأمينًا، واللهُ أعلمُ.


(١) هذه الفقرة بتمامها سقطت من م.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٦/ ١٩٨٠، والطبري في تفسيره ١١/ ١٦١، والحاكم في معرفة علوم الحديث ص ٩١ من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، عن أبي جعفر الرازي.

<<  <  ج: ص:  >  >>