للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعلومٌ أن قولَه - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أمَّن الإمامُ فأمِّنوا" لم يُرِدْ به: فادعوا مثلَ دعاءِ الإمام: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخر السورة. وهذا ما لا يُختلَفُ فيه، وإنما أراد من المأموم قولَ: آمينَ لا غيرُ، وهذا إجماعٌ من العلماء، فكذلك أراد من الإمام قولَ: آمينَ. لا الدعاءَ بالتلاوة؛ لأنَّه قد سوَّى بينهما في لفظِه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "إذا أمَّن الإمامُ فأمِّنوا". فالتأمينُ من الإمام كهو من المأموم سواءً، وهو قولُ: آمينَ. هذا ما يُوجِبُه ظاهرُ الحديث، فكيف وقد ثبَت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقولُ: "آمين" إذا فرَغ من قراءة فاتحة الكتاب (١)؛ وهذا نصٌّ يرفعُ الإشكالَ ويقطعُ الخلافَ، وهو قولُ جمهورِ علماءِ المسلمين. وممَّن قال ذلك مالكٌ في روايةِ المدنيِّين عنه (٢)، منهم: عبدُ الملك بنِ الماجِشون، ومطرِّفُ بنُ عبدِ الله، وأبو المصعبِ الزهريُّ، وعبدُ الله بنُ نافع، وهو قولُهم؛ قالوا: يقولُ: آمين. الإمامُ ومَن خلفَه. وهو قولُ الشافعيِّ وأبي حنيفةَ وأصحابِهما، والثوريِّ، والحسنِ بنِ حيٍّ، وابنِ المبارك، وأحمدَ بنِ حنبلٍ، وإسحاقَ، وأبي عبيدٍ، وأبي ثورٍ، وداودَ، والطبريِّ، وجماعةِ أهلِ الأثر (٣)؛ لصحتِه عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من حديثِ أبي هريرةَ، ووائلِ بن حُجرٍ. وقال الكوفيون وبعضُ المدنيين: لا يجهرُ بها، وهو قولُ الطبريِّ. وقال الشافعيُّ وأصحابُه، وأبو ثورٍ، وأحمدُ، وأهلُ الحديث: يجهرُ بها (٤).

حدّثنا عبدُ الله بنُ محمدِ بنِ يحيى، قال: حدّثنا محمدُ بنُ بكرٍ، قال: حدّثنا


(١) سيخرجه ابن عبد البر من رواية أبي هريرة ومن رواية وائل بن حُجر قريبًا.
(٢) انظر: جامع الأمهات لابن الحاجب ص ٩٤.
(٣) انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ١/ ٢٠٢، والمجموع شرح المهذب للنووي ٣/ ٣٧٣.
(٤) انظر: المغني لابن قدامة ١/ ٣٥٣، والمجموع للنووي ٣/ ٣٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>