للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"يتعاقبُ فيكم ملائكةٌ بالليلِ وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاةِ العصرِ وصلاةِ الفجر" الحديثَ (١).

فإن قيل: حديثُ مالكٍ، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قال أحدُكم: آمينَ، فقالت الملائكةُ في السماء: آمينَ، فوافقتْ إحداهما الأخرى، غُفِر له ما تقدَّم من ذَنْبِه" (٢). وهذا دليلٌ على أنه لم يُردِ الملائكةَ الحافظين، ولا المتعاقبين؛ لأنهم حاضرون معهم في الأرض لا في السماء. قيل له: لسنا نعرِفُ موقفَ الملائكة منهم، ولا نُكيِّفُ ذلك، وجائز أن يكونوا فوقَهم وعليهم وعلى رءوسِهم، فإذا كان كذلك، فكلُّ ما عَلاك فهو سماءٌ، وقد تُسمِّي العربُ المطرَ سماءً؛ لأنَّه ينزلُ من علٍ، وتُسمِّي الربيعَ أيضًا سماءً؛ لأنّه تولَّد من مطرِ السماء، وتُسمِّي الشيءَ باسم الشيءِ إذا كان مجاورًا له، أو كان منه بسبب. قال الشاعر (٣):

إذا نَزَل السماءُ بأرض قومٍ ... رَعَيْناهُ وإن كانوا غِضَابا

فسمَّى الماءَ النازلَ من السماءِ والربيعَ المتولِّدَ منه: سماءً (٤)، فاللهُ أعلمُ بما أراد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "في السماء". إن كان قاله؛ فان أخبارَ الآحادِ لا يُقطعُ عليها، وكذلك هو العالمُ لا شريكَ له بمعنى قوله حقيقةً: "فمَن وافَق تأمينُه تأمينَ الملائكةِ غُفِر له ما تقدَّم من ذَنْبِه".


(١) أخرجه البخاري (٥٥٥)، ومسلم (٦٣٢) من حديث أبي هريرة. وسيأتي في الموطأ (٤٧٢).
(٢) الموطأ ١/ ١٤١ (٢٣٣).
(٣) هو معاوية بن مالك العامري الملقب بمعوِّد الحكماء. انظر: شرح أدب الكاتب لأبي منصور الجواليقي ص ١٣٥، ومعاهد التنصيص للعباسي ٢/ ٢٦٠.
(٤) انظر: مشارق الأنوار للقاضي عياض ٢/ ٢٢١ مادة (سمي).

<<  <  ج: ص:  >  >>