للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القولَ فيه عندَ ذِكْرِ حديثِ ابنِ شهابٍ، عن حرامِ بنِ سعدِ بنِ مُحَيِّصَةَ، من كتابنا هذا (١) إن شاء الله.

ولا خلافَ بينَهم أنَّ ما أفسَدتِ المواشي وجنَت نهارًا من غير سببِ آدميٍّ، أنّه هَدْرٌ، من الزُّروع وغيرها، إلّا ما رُوِي عن مالكٍ وبعض أصحابِه في الدَّابةِ الضَّاريةِ المُعتادَةِ الفسادَ (٢)، على ما سنذكُرُه إنْ شاءَ اللهُ تعالى في بابِ ابنِ شهاب عن حرامِ بن مُحَيِّصَةَ.

وأمّا السّائقُ للدَّابةِ أو راكبُها أو قائدُها، فإنَّهم عندَ جمهورِ العلماءِ من الصحابةِ والتابعينَ ومَن بعدَهم مِن الخالفين، ضامِنون لما جَنَتِ الدّابّةُ من أجلِهم وبسَببِهم (٣). وقال داودُ، وأهلُ الظاهر (٤): لا ضمانَ في جَرْحِ العَجماءِ على أحدٍ على أيِّ حالٍ كان، برجْلٍ أو بمُقَدَّم؛ لأن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - جعَل جُرْحَها جُبَارًا، ولم يَخُصَّ حالًا من حالٍ. قالوا: فلا ضمانَ على أحَدٍ بسببِ جِنايةِ عَجْماءَ، إلّا أن يكونَ حمَلَها على ذلك وأرسَلَها عليه، فتكونَ حينَئذٍ كالآلة، فيضمَنَ بجنايَةِ نفسِه وقَصدِه إلى إفسادِ مالِ غيرِه والجنايةِ عليه. قالوا: وكذلك إذا تعَدَّى في إرسالِها، أو ربطَها في موضع لا يجبُ له ربطُها فيه، وأمّا مَن لم يَقصِدْ إلى ذلك، فلا يضمَنُ جِنايةَ دابّةٍ وإن كان سببَ ذلك، إذا فعَلَ من رُكُوبها وسياقَتِها وقيادَتِها وإرسالِها ما له فِعلُه، فلا يَضمَنُ إلّا الفاعِلُ القاصدُ، إلّا أن يُجمِعوا على غيرِه في موضع ما، فيجِبُ التسليمُ لإجماعِهم في ذلك الموضِع خاصّةً.


(١) الموطأ ٢/ ٢٩٣ (٢١٧٧).
(٢) حيث ترجم في الموطأ بقوله: باب القضاء في الضواري والحريسة.
(٣) انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٥/ ٢١١ المسألة (٢٣١٠)، وبداية المجتهد لابن رشد ٤/ ١٩٩، والمغني لابن قدامة ٨/ ٤٣٠.
(٤) انظر: المحلى ٨/ ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>