للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان الشعبيُّ رحمه الله يُفْتي بأن الرِّجْلَ جُبَارٌ. رواه أبو فَرْوةَ، والشيبانيُّ، عن الشعبيِّ (١).

قال أبو عُمر: لا أعلم خلافًا عن مالك وأصحابه وسائر فقهاء الأمصار من أهل الحجاز والعراق والشام أن من أوقف دابته في موضع ليس له أن يُوقِفَها فيه، ولا يجوزُ له ذلك؛ من طريق ضَيِّقٍ، أو غير ذلك ممّا ليس له أن يفعَلَه، فجَنَت جِنايةً، أنّه ضامِنُها، وإن أوْقَفها في موضِعٍ يعرفُ الناسُ مثلَه؛ تُوقَفُ فيه الدَّوابُّ، أو يُوقَفُ فيه مثلُ دابَّتِه (٢). قال ابنُ حبيبٍ: نحوَ دارِ نفسِه، أو بابِ المسجدِ، أو دارِ العالِم أو القاضي، أو ما أشبَهَ ذلك فلا ضَمانَ عليه فيما جَنَتْ، وكذلك إذا أرسَلها في موضعٍ ليس له أن يُرسِلَها فيه، ضَمِن ما جَنَتْ.

وأمّا قولُه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: "والبِئرُ جُبَارٌ". فمعناه أنَّه لا ضمانَ على ربِّ البئرِ وحافِرِها إذا سقَط فيها إنسانٌ، أو دابّةٌ، أو غيرُ ذلك، فتَلِفَ وعَطِبَ، هذا إذا كان حافِرُ البئرِ قد حفَرها في موضعٍ يجوزُ له أن يحفِرَها فيه، مثلَ أن يَحفِرَها في فِنائِه، أو في مِلْكِه، أو في دارِه، أو في صَحراءَ للماشية، أو في طريقٍ واسعٍ مُحتَمِلٍ، ونحوِ ذلك. وهذا كلُّه قولُ مالكٍ، والشافعيِّ، وداودَ، وأصحابِهم، وقولُ الليثِ بنِ سعدٍ (٣). قال ابنُ القاسم: قال مالكٌ: للإنسانِ أن يحفِرَ في الطريقِ بئرًا يُحدِثُها للمطرِ، وله أن يَحفِرَ إلى جَنبِ حائطِه مِرْحاضًا، وله أن يُحدِثَ في دارِه ميزَابًا، ولا يَضمَنُ ما عَطِب بشيءٍ من ذلك. قال: وما حفَره


(١) أخرجه عبد الرزاق (١٧٨٧٤) من طريق أبي فروة عن الشعبي.
(٢) انظر: الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان ٢/ ٢٧٩.
(٣) انظر: المحلى لابن حزم ١١/ ١٩١، وبداية المجتهد لابن رشد ٤/ ٢٠٠، والمغني لابن قدامة ٨/ ٤٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>