للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الطريقِ ممَّا لا يجوزُ له؛ لضيقِ الطريقِ، أو لغيرِ ذلك، ضَمِنَ ما عَطِبَ به. وقال ابنُ القاسم أيضًا عن مالك: إن حفَر في دارِه بئرًا لسارِقٍ يرصُدُه ليَقَعَ فيه، أو وضَع له حِبالاتٍ، أو شيئًا يَتْلَفُ به السَّارِقُ، فدخَلَ، فعَطِبَ، فهو ضامِنٌ (١).

قال أبو عُمر: وجهُ قولِه هذا أنَّه لم يِحفِرِ البئرَ لمنفَعَتِه، وإنَّما حفَرها قاصِدًا ليَعْطَبَ بها غيرُه، فهو الجاني حينئذٍ، واللهُ أعلمُ. وأمّا الشافعيُّ، فلا ضمانَ عليه عندَه في هذا فيما علِمتُ. وقال أبو حنيفةَ، وأبو يوسفَ، ومحمدٌ: له أن يُحدِثَ في الطريق ما لا يَضُرُّ به. قالوا: وهو ضامِنٌ لما أصابَه (٢).

قال أبو عُمر: قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "والبئرُ جُبَارٌ" يدفعُ الضَّمانَ عن رَبِّها في كلِّ ما سقَط فيها بغيرِ صَنيعِ آدَميٍّ. واللهُ أعلمُ.

وأمّا قولُه - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: "والمعدِنُ جُبَارٌ". فتأويلُه أنَّ المعادِنَ المطلوبَ فيها الذَّهبُ والفِضةُ تحتَ الأرض، إذا سقَطَ شيءٌ منها وانهار على أحَدٍ من العاملين فيها، فمات، أنَّه هدْرٌ لا دِيَةَ له في بيتِ المالِ ولا غيرِه، وكذلك مَن سقَطَ فيها فعَطِبَ بعدَ حَفرِها (٣).

وأمّا قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "وفي الرِّكازِ الخمسُ"، فإنَّ العلماءَ اختلَفوا في الرِّكازِ وفي حُكمِه؛ فقال مالكٌ: الرِّكازُ في أرضِ العربِ للواجدِ، وفيه الخُمُسُ. قال: وما وُجِد من ذلك في أرضِ الصُّلْح، فإنَّه لأهلِ تلك البلاد، ولا شيءَ للواجدِ فيه. قال: وما وُجِد في أرضِ العَنْوَةِ، فهو للجماعةِ الذين افتتَحُوها، وليس من أصابَه


(١) المدونة ٤/ ٦٦٥.
(٢) انظر: المبسوط لمحمد بن الحسن الشيباني ٤/ ٥٩١، وتحفة الفقهاء للسمرقندي ٣/ ١٢٥.
(٣) انظر: الأوسط لابن المنذر ١٣/ ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>