للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: أما قولُه في هذا الحديث: "فقد أدرَك الصلاةَ". فإنَّه قد اختُلِفَ في معناه؛ فقالت طائفةٌ من أهل العلم: أراد بقوله ذلك أنَّه أدرَك وَقتَها. حكَى أبو عبدِ الله أحمدُ بنُ محمدِ بن سعدٍ الدَّاوُديُّ في كتابه "المُوجَز"، عن داودَ بن عليٍّ وأصحابه، قالوا: إذا أدرَك الرجلُ من الظهرِ أو العصرِ ركعةً، وقامَ يُصلِّي الثلاثَ ركعاتٍ، فقد أدرَك الوقتَ في جماعةٍ، وثوابُه على الله عزَّ وجلَّ.

قال أبو عُمر: هؤلاء قومٌ جعلوا قولَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن أدرَك رَكعةً من الصلاةِ فقد أدرَك الصلاة" في معنى قوله عليه السلام: "مَن أدرَك رَكعةً من العصرِ قبلَ أنْ تَغرُبَ الشمسُ فقد أدرَك العصرَ، ومَن أدرَك رَكعةً من الصبح قبل أنْ تَطلُعَ الشمسُ فقد أدرَك الصبح" (١). فليس كما ظنُّوا؛ لأنَّهما حديثان لكلِّ واحدٍ منهما معنًى (٢)، وقد ذكرنا كلًّا في موضعه من كتابنا هذا، والحمدُ لله.

وقال آخرون (٣): مَن أدرَك ركعةً من الصلاةِ فقد أدرَك فضلَ الجماعة؛ لأنَّ صلاتَه صلاةُ جماعةٍ في فضلِها وحكمِها. واستدَلُّوا من أصولِهم على ذلك بأنَّه لا يُعيدُ في جماعةٍ مَن أدرَك رَكعةً من صلاةِ الجماعة.

وقال آخرون (٤): معنى هذا الحديث أنَّ مُدرِكَ ركعةٍ من الصلاةِ مُدرِكٌ لحكمِها، وهو كمَن أدرَك جميعَها فيما يَفوتُه من سهوِ الإمام وسجودِه لسهوِه،


(١) الموطأ ١/ ٣٦ (٥).
(٢) ومما يُردُّ به على داود بن علي رواية مسلم للحديث (٦٠٧) بزيادة: "من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام" قال أبو العباس القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ٢/ ٢٢٤: قوله: "مع الإمام" يُبطل على داود وغيره قوله: إن هذا الحديث مردود إلى أدرك الوقت.
(٣) قال ابن رجب في شرح البخاري ٥/ ١٨: حكي هذا القول عن مالك، وذكره ابن أبي موسى من أصحابنا (يعني الحنابلة) مذهبًا لأحمد. قلنا: ونقل ابن مفلح في المبدع ٢/ ٥٦ أن ابن تيمية ذكره روايةً واختارها لظاهر الحديث.
(٤) قال ابن بطال في شرح مسلم ٢/ ٢٠٤: هذا قول مالك وجماعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>