للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو أدرَك الرَّكعةَ مسافرٌ من صلاةِ مُقيمٍ، لَزِمَه حُكمُ صلاةِ المُقيم، وكان عليه الإتمامُ ونحوُ هذا من حُكم الصلاة.

قال أبو عُمر: ظاهرُ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَن أدرَك ركعةً من الصلاةِ فقد أدرَك الصلاةِ" يُوجِبُ الإدراكَ التامَّ للوقتِ والحكم والفضلِ إن شاء الله، إذا صلَّى تمامَ الصلاة، ألا ترَى أنَّ مَن أدرَك الإمامَ راكعًا، فدخَل معه وركَع قبلَ أنْ يَرفعَ الإمامُ رأسَه من الرَّكعة، أنَّه مُدرِكٌ عندَ الجمهورِ حكمَ الرَّكعة، وأنَّه كمَن ركَعها من أولِ الإحرام مع إمامِه، فكذلك مُدرِكُ ركعةٍ من الصلاة، مُدرِكٌ لها، وقد أجمَع علماءُ المسلمين أنَّ من أدرَك ركعةً من صلاةٍ من صلاتِه لا تُجزِئُه ولا تُغنيه عن إتمامها، وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما أدركتُم فصلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا" (١).

وهذا نصٌّ يكفي ويشفي، فدلَّ إجماعُهم في ذلك على أنَّ هذا الحديثَ ليس على ظاهرِه، وأنَّ فيه مُضمرًا بيَّنه الإجماعُ والتوقيفُ (٢)، وهو إتمامُ الصلاةِ وإكمالُها، فكأنَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: مَن أدرَك ركعةً من الصلاةِ مع إمامِه، ثم قامَ بعدَ سلام إمامِه، وأتَمَّ صلاتَه وحدَه على حكمِها، فقد أدْرَكها، كأنَّه قد صلَّاها مع الإمام من أولِها. هذا تقديرُ قوله ذلك - صلى الله عليه وسلم - بما ذكَرْنا من الإجماع وحديثِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وإذا كان ذلك كذلك، فغيرُ مُمتنع أنْ يكونَ مدرِكًا لفضلِها وحكمِها ووقتِها، فالذي عليه مدارُ هذا الحديث وفقهُه، أنَّ مُدرِكَ ركعةٍ من الصلاةِ مدركٌ لحكمِها في السهوِ وغيرِه، وأما الفضلُ، فلا يُدرَكُ بقياسٍ ولا نَظَرٍ؛ لأنَّ الفضائلَ لا تُقاسُ،


(١) الموطأ ١/ ١١٥ (١٧٥).
(٢) لحديث المغيرة بن شعبة الذي أخرجه مسلم (٢٧٤) في غزوة تبوك حيث صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خلف عبد الرحمن بن عوف صلاة الفجر وأدرك معه إحدى الركعتين، فصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الركعة الآخرة، فلما سلّم عبد الرحمن بن عوف قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُتمّ صلاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>