للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الحديثِ من الفقه: أنَّ حكمَ الصلاةِ أنْ يُكبَّرَ في كلِّ خفضٍ ورفعٍ منها، وأنَّ ذلك سنَّتُها، وهذا قولٌ مجملٌ؛ لأنَّ رفعَ الرأس من الرُّكوع ليس فيه تكبيرٌ، إنَّما هو التحميدُ بإجماع، فتفسيرُ ذلك أنَّه كان يُكبِّرُ كلَّما خفَض ورفَع إلّا في رفعِه رأسَه من الرُّكوع؛ لأنَّه لا خِلافَ في ذلك (١).

وفيه: أنَّ الناسَ لم يكونوا كلُّهم يفعَلون ذلك، ولذلك قال: أنا أشبَهُكُم صلاةً برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. ومما يدلُّكَ على ذلك ما ذكَره ابنُ أبي ذئبٍ في "مُوطَّئِه"، عن سعيدِ بنِ سمعانَ، عن أبي هريرةَ، أنَّه قال: ثلاثٌ كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يفعلُهُنَّ تركَهُنَّ الناسُ، كان إذا قام إلى الصلاةِ رفَع يدَيْه مدًّا، وكان يقِفُ قبلَ القراءةِ هُنيّةً يسألُ اللهَ من فضلِه، وكان يُكبِّرُ كلَّما خفَض ورفَع (٢). وقد أوضَحْنا هذا المعنَى في باب ابنِ شهابٍ، عن عليِّ بنِ حُسينٍ (٣)، والحمدُ لله.

وقد قال قومٌ من أهل العلم: إنّ التكبيرَ إنَّما هو إذنٌ بحركاتِ الإمام، وشعارٌ للصلاة، وليس بسنَّةٍ إلّا في الجماعة، وأمّا مَن صلَّى وحدَه فلا بأسَ عليه أن لا يُكبِّرَ. ولهذا لما ذكَر مالكٌ (٤) هذا الحديثَ عن ابنِ شهابٍ، عن عليِّ بنِ حسينٍ


(١) انظر: الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان ١/ ١٣٢ و ١٣٤.
(٢) إسناده صحيح.
وأخرجه الطيالسي (٢٤٩٥)، وابن أبي شيبة في مسنده كما في إتحاف الخيرة للبوصيري (١٢٣٣/ ١)، وأحمد ١٥/ ٣٧٢ (٩٦٠٨)، وأبو داود (٧٥٣)، والترمذي (٢٤٠)، والبزار (٨٤١٤)، والنسائي (٨٨٣)، وابن خزيمة (٤٥٩) و (٤٧٣)، والطوسي في مستخرجه على جامع الترمذي (٢٢٤)، وابن المنذر في الأوسط (١٢٥٤)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ١/ ١٩٥، وابن حبان (١٧٧٧)، والحاكم ١/ ٢١٥، وابن بشران في أماليه في الجزء الثاني منه (١٢٩٥)، والبيهقي ٢/ ٢٧ من طرق عن ابن أبي ذئب، به.
(٣) الموطأ ١/ ١٢٥ (١٩٧)، وسيأتي في موضعه.
(٤) الموطأ ١/ ١٢٥ (١٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>