للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: إن التسليمَ لم يُذكَرْ في هذا الحديث، وأنتم تُوجِبُونَه لقيامِه من غير هذا الحديث، فغيرُ نكيرٍ أن يقومَ وُجوبُ جُملةِ التكبيرِ من غيرِ حديثِ هذا البابِ وإن لم يكنْ في حديثِ رفاعةَ هذا وما كان مثلَه، قيل له: إنَّ التسليمَ قد قامَ دليلُه، وثبَت النصُّ فيه بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "تحليلُها التسليمُ" (١)، وبأنَّه كان - صلى الله عليه وسلم - يُسلِّمُ من صلاتِه طُولَ حياتِه (٢)، فثبَت التسليمُ قولًا وعملًا، وأمّا التكبيرُ فيما عدا الإحرامَ فقد كان ترَكَه الصدرُ الأوَّلُ، فلذلك قال لهم أبو هريرةَ: أنا أشبَهُكم صلاةً برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. ولم يَعِبْ بعضُهم على بعض ترْكَه، بل جعَلُوه من بابِ الكمالِ والتَّمام؛ فلذلك قلنا: إنَّ التكبيرَ فيما عدا الإحرامَ سُنَّةٌ، يَحسُنُ العملُ بها، وليسَ بواجبٍ. وعلى هذا جُمهورُ الفقهاء.

فإن قيلَ: إنَّ الجِلسَةَ الوسطَى سُنَّةٌ، ومَن ترَكها بطَلَتْ صلاتُه (٣)، فكذلك مَن ترَك جُملةَ التكبيرِ المَسنونِ. قيل لقائلِ ذلك: وضَعْتَ التمثيلَ في غيرِ موضعِه،


(١) أخرجه الشافعي في الأم ١/ ١٢١، وعبد الرزاق (٢٥٣٩)، وابن أبي شيبة (٢٣٩٣)، وأحمد ٢/ ٢٩٢ (١٠٠٦)، والدارمي (٦٨٧)، وأبو داود (٦١) و (٦١٨)، وابن ماجة (٢٧٥)، والترمذي (٣)، والبزار (٦٣٣)، وأبو يعلى (٦١٦)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ١/ ٢٧٣، وابن عدي في الكامل ٤/ ١٢٩، والدارقطني (١٣٥٩) و (١٣٦٠) و (١٤٢١)، والبيهقي ٢/ ١٥ و ١٧٣ و ٢٥٣ - ٢٥٤ و ٣٧٩، والبغوي في شرح السنة (٥٥٨) من حديث علي بن أبي طالب. وقال الترمذي: هنا أصح شيء في هذا الباب وأحسن. وقال العقيلي: "روى عبد الله بن محمد بن عقيل، عن ابن الحنفية، عن عليّ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم. رواه أبو سفيان السعدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، وكلاهما إسنادان لينان" (الضعفاء ٢/ ٥٢٧).
(٢) أخرج مسلم من حديث عائشة (٤٩٨) قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين، ... ، وكان يختم الصلاة بالتسليم.
(٣) انظر: شرح البخاري لابن بطال ٣/ ٢١٤، والإقناع لابن القطان ١/ ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>