للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروَى هذا الحديثَ عن يحيى بن أبي كثيرٍ جماعةٌ؛ منهم: الأوزاعيُّ، وهشامٌ الدَّستُوائيُّ، وعليُّ بنُ المبارك، كلُّهم بمعنًى واحدٍ. قالوا: فهذا أبو سعيدٍ قد رَوَى في هذا الحديثِ كما روَى أبو هريرةَ، وحصَل في ذلك عندَ أبي سعيدٍ حديثان، ومُحالٌ أن يكونَ معناهما واحدًا، بل لكُلِّ واحدٍ منهما موضعٌ، وهو مثلُ ما ذكَرنا مِن أنَّ هذا في الذي يعتريه الشَّكُّ دائمًا لا ينفكُّ عنه قد استَنْكَحه، ومع ذلك فإنَّه قد أتمَّ في أغلب ظنِّه عندَ نفسِه، والحديثُ الآخرُ على مَن لم يَدرِ أزاد أم نقَص، فيَلزمُه ألّا يخرجَ من صلاتِه إلّا بيقينٍ من تمامِه، وهكذا فسَّر اللَّيثُ بنُ سعدٍ حديثَ أبي هريرةَ، وحكَى ذلك عنه ابنُ وَهْبٍ، وهو قولُ ابن وَهْبٍ أيضًا (١)، وقولُ مالكٍ فيما ذكَره عيسى بنُ دينارٍ في كتابِ الصلاةِ عن ابن القاسم، عن مالكٍ، قال: فإذا كثُر السَّهوُ على الرَّجل، ولزِمه ذلك، ولا يدرِي أسَهَا أم لا، سجَد سجدتي السَّهو بعدَ السَّلام (٢). ثم قيل لابن القاسم: أرأيتَ رجلًا سها في صلاتِه ثم نَسِي سَهْوَه فلا يَدْرِي أقبْلَ السَّلام أم بعدَه؟ قال: يسجدُ قبلَ السَّلام أو بعدَه. وقال أبو مُصعبٍ: من استنكحه السَّهوُ فلْيَلْهَ عنه ولْيدَعْه، ولو سجَد بعدَ السلام كان حسنًا (٣).

واختلَف القائلون في تأويلِ هذا الحديث القولَ الآخَرَ في سجودِ هذا المُستنكَح الذي هو في أكثرِ ظنِّه قد أتمَّ صلاتَه، متى يكونُ سجودُه؟ فقال منهم قومٌ: يكونُ سجودُه قبلَ السَّلام، وهو مذهبُ الشَّافعيِّ (٤)، ولا حرجَ فيه


(١) ينقل ابن وهب مسائل السهو في كتاب له باسم كتاب سجود السهو ذكره ابن رجب في شرح البخاري ٩/ ٤٧٨، ولم يُطبع.
(٢) انظر: البيان والتحصيل لابن رشد ١/ ٣٤٢.
(٣) انظر: المنتقى شرح الموطأ لأبي الوليد الباجي ١/ ١٨٣.
(٤) انظر: منهاج الطالبين للنووي، ص ٣٤، ومنهج الطلاب لزكريا الأنصاري، ص ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>