للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لو عَقَلُوا أو أنصَفُوا؟ أمَا سَمِعوا اللهَ عزَّ وجلَّ حيثُ يقول: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: ٣٦ - ٣٧]، فدلَّ على أنَّ موسى عليه السلامُ كان يقول: إلهي في السماء. وفرعونَ يظُنُّه كاذبًا:

فسبحانَ مَن لا يقدُرُ الخلقُ قَدْرَه ... ومَن هو فوقَ العرشِ فَرْدٌ مُوَحَّدُ

مَلِيكٌ على عرشِ السماءِ مُهَيْمِنٌ ... لعِزَّتِه تَعْنُو الوُجُوهُ وتَسْجُدُ

وهذا الشعرُ لأميّةَ بنِ أبي الصَّلْت (١).

قال أبو عُمر: فإن احتجوا بقولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: ٨٤]. وبقوله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام: ٣]، وبقوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} الآية [المجادلة: ٧]، وزعَموا أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى في كلِّ مكانٍ بنفسِه وذاتِه تباركَ وتعالى. قيل لهم: لا خلافَ بينَنا وبينَكم وبينَ سائرِ الأمَّة أنَّه ليس في الأرضِ دونَ السماءِ بذاتِه، فوجَبَ حَملُ هذه الآياتِ على المعنى الصحيح المُجتَمَع عليه، وذلك أنَّه في السماءِ إلهٌ معبودٌ من أهلِ السماء، وفي الأرض إلهٌ معبودٌ من أهلِ الأرض (٢). وكذلك قال أهلُ العلم بالتفسير، فظاهرُ التنزيل يشهَدُ أنَّه على العرش، والاختلافُ في ذلك بينَنا فقط، وأسعدُ الناس به مَن ساعَدَه الظاهرُ.


(١) انظر: ديوانه بتحقيق الدكتور سجيع الجبيلي ص ٣٨ - ٤٨. وقد زاد ناشر الطبعة المغربية هنا بيتين هما:
فمن حامل إحدى قوائم عرشه ... ولولا إله الخلق كَلُّوا وأبلدوا
قيام على الأقدام عانون تحته ... فرائصهم من شدة الخوف ترعدُ
وليسا في شيءٍ من الأصول.
(٢) انظر: تفسير الطبري ٢٥/ ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>