للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فجِئتُ بها إلى النبيِّ - صلي الله عليه وسلم -، فقال لها: "أين اللهُ؟ "، فقالت: في السماء، فقال: "مَن أنا؟ "، قالت: أنت رسولُ الله، قال: "إنَّها مُؤمِنَةٌ، فأعتِقْها" (١). مُختصرٌ؛ أنا اختصَرتُه من حديثه الطويل، من روايةِ ا لأوزاعيِّ، وهو من حديثِ مالكٍ أيضًا (٢)، وسيأتي في موضِعِه من كتابِنا إن شاءَ الله.

وأمّا احتجاجُهم: لو كان في مكانٍ لأشبَهَ المخلوقات - لأنَّ ما أحاطتْ به الأمكنةُ واحتَوته، مخلوقٌ - فشيءٌ لا يَلزَمُ، ولا معنى له؛ لأنَّه عزَّ وجلَّ ليس كمثلِه شيءٌ من خلقِه، ولا يُقاسُ بشيءٍ من بَرِيَّتِه، لا يُدْرَكُ بقياسٍ، ولا يُقاسُ بالناس، لا إلهَ إلا هو، كان قبلَ كلِّ شيءٍ، ثم خَلَقَ الأمكنةَ والسماواتِ والأرضَ وما بينَهما، وهو الباقي بعدَ كُلِّ شيءٍ، وخالِقُ كلِّ شيءٍ لا شريكَ له. وقد قال المسلمونَ وكلُّ ذي عقلٍ: إنَّه لا يُعْقَلُ كائنٌ لا في مكانٍ منّا، وما ليسَ في مكانٍ فهو عَدَم. وقد صَحَّ في المعقول، وثبَت بالواضحِ من الدليل، أنَّه كان في الأزلِ لا في مكانٍ، وليس بمعدوم، فكيف يقاسُ على شيءٍ من خَلْقِه أو يجرِي بينَه وبينَهم تمثيلٌ أو تشبيهٌ؟ تعالى اللهُ عمّا يقولُ الظالمونَ علوًّا كبيرًا، الذي لا يَبلُغُ من وصَفَه إلّا إلى ما وَصَف به نفسَه، أو وصفه به نبيُّه ورسولُه، أو اجتمَعت عليه الأُمّةُ الحنيفيةُ عنه (٣).

فإن قال قائلٌ منهم: إنّا وَصَفْنا ربَّنا أنَّه كان لا في مكانٍ، ثم خَلَق الأماكنَ فصار في مكانٍ، وفي ذلك إقرارٌ مِنّا بالتغييرِ والانتقالِ؛ إذ زالَ عن صِفتِه في الأزل، وصار في مكانٍ دونَ مكانٍ. قيل له: وكذلك زعَمتَ أنت أنَّه كان لا في مكان،


(١) أخرجه مسلم (٥٣٧) من طريق عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، بهذا الإسناد.
وأخرجه كذلك (٥٣٧) من طريق حجاج الصوّاف، عن يحيى بن أبي كثير، به.
(٢) الموطأ ٢/ ٣٢٨ (٢٢٥١).
(٣) انظر: العلو للعلي الغفار للذهبي بإثر (٣٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>