من حديثِ أبي ذرٍّ أنَّه قال: يا رسولَ الله، أيُّ الليل أسمعُ؟ قال:"جوفُ الليل الغابِر". يعني الآخِرَ. وهذا على معنَى ما ذكَرنا، ويكونُ ذلك الوقتُ مندوبًا فيه إلى الدُّعاءِ، كما نُدِب إلى الدُّعاء عندَ الزَّوالِ، وعندَ النِّداءِ، وعند نُزول غَيثِ السَّماءِ، وما كان مثلَه من الساعاتِ المستجابِ فيها الدُّعاءُ - والله أعلمُ - وقال آخرونَ: ينزِلُ بذاتِه.
أخبرنا أحمدُ بنُ عبدِ الله، أنَّ أباهُ أخبَره، قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ خالدٍ، قال: حدَّثنا يحيى بنُ عثمانَ بن صالح بمصرَ، قال سمِعتُ نُعيمَ بنَ حمّادٍ يقولُ: حديثُ النُّزول يرُدُّ على الجهميّة قولَهم. قال: وقال نُعيم: ينزلُ بذاتِه، وهو على كرسيِّه.
قال أبو عُمر: ليس هذا بشيءٍ عندَ أهلِ الفَهمِ من أهلِ السُّنة؛ لأنَّ هذا كيفيّةٌ، وهم يَفزَعون منها؛ لأنَّها لا تصلُحُ إلّا فيما يُحاطُ به عِيانًا، وقد جَلَّ اللهُ وتعالى عن ذلك، وما غاب عن العُيونِ فلا يصِفُه ذَوو العُقولِ إلّا بخبَرٍ، ولا خَبرَ في صفاتِ الله إلّا ما وصَف نفسَه به في كتابه، أو على لسانِ رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، فلا نتعدَّى ذلك إلى تشْبيهٍ أو قياسٍ أو تمثيلٍ أو تنظيرٍ، فإنَّه ليس كمثلِه شيءٌ، وهو السَّميعُ البصير.
قال أبو عُمر: أهلُ السُّنة مجمِعُون على الإقرار بالصِّفاتِ الواردةِ كلِّها في القرآنِ والسُّنة، والإيمان بها، وحَملِها على الحقيقةِ لا على المجاز، إلّا أنَّهم لا يُكيِّفون شيئًا من ذلك، ولا يَحُدُّون فيه صفَةً محصورةً، وأمّا أهلُ البِدعِ والجهميّةُ والمعتزِلَةُ كلُّها والخوارجُ، فكُلُّهم يُنكِرُها، ولا يحمِلُ شيئًا منها على الحقيقة، ويزعُمون أنَّ مَن أقَرَّ بها مُشَبِّهٌ، وهم عندَ من أثبَتها نافُون للمعبود، والحقُّ فيما قاله القائلون بما نطَق به كتابُ الله، وسُنَّةُ رسولِه، وهم أئمَّةُ الجماعة، والحمدُ لله.