للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنَّما أمَر له بما يبقَى. قلت له: فإن كان المجامعُ في رمضانَ محتاجًا فأطعَمه عيالَه، فقد أجزأَ عنه؟ قال: نعم، أجزَأ عنه. قلتُ: ولا يُكفِّرُ مرةً أخرى إذا وجَد؟ قال: لا، قد أجزأت عنه، إلَّا أنَّه خاصٌّ في الجماع في رمضانَ وحدَه.

وزعَم الطبريُّ أنَّ قياسَ قولِ الثوريِّ، وأبي حنيفةَ وأصحابه، وأبي ثورٍ، أنّ الكفّارةَ دينٌ عليه، لا يُسقِطُها عنه إعسارُه بها، وعليه أن يأتيَ بها إذا قدَر عليها؛ وذلك أنَّ قولهم في كلّ كفّارة لزِمَتْ إنسانًا، فسبيلُها عندَهم الوجوبُ في ذمَّة المعسر: يؤدِّيها إذا أيسَرَ، فكذلك سبيلُ كفّارة المفطرِ في رمضانَ في قياس قولهم.

قال أبو عُمر: إن احتجَّ محتجٌّ في إسقاطِ الكفّار عن المعسرِ بأنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذ قال له: "كلْه أنت وعيالُك"، لَمْ يقل له: وتؤدِّيها إذا أيسرْتَ، ولو كانت واجبةً لَمْ يسكُتْ عنه حتى يبيِّنَ ذلك له. قيل له: ولا قال له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّها ساقطةٌ عنكَ لعُسرتِك، بعدَ أن أخبَره بوجوبها عليه، وكلُّ ما وجَب أداؤُه في اليسار، لزِم الذمّة إلى الميسرةِ على وجهِه، واللّهُ أعلم.

واختلَفوا في الكفّارة على المرأة إذا وطِئها زوجُها وهي طائعة في رمضانَ؛ فقال مالكٌ: إذا طاوَعتْه زوجتُه فعلى كلِّ واحدٍ منهما كفّارةٌ، وإن أكرَهها فعليه كفّارتان عنه وعنها، وكذلك إذا وطِئ أمتَه كفَّرَ كفّارتين (١). وقال الأوزاعيُّ: سواءٌ طاوَعتْه أو أكرَهها، فليس عليهما إلّا كفّارةٌ واحدةٌ إنْ كَفَّر بالعتق أو بالإطعام، فإن كَفَّر بالصِّيام فعلى كلِّ واحدٍ منهما صيامُ شهرين متتابعين. وقال الشافعيُّ رحمه الله: الصيامُ (٢) والعتقُ والإطعامُ سواءٌ، ليس عليهما إلّا كفّارةٌ


(١) انظر: المنتقى لأبي الوليد الباجي ٢/ ٥٤.
(٢) كلمة "الصيام" سقطت من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>