وفيه: أن مَن أكثر من شيءٍ عُرف به ونُسِب إليه، ألا ترى إلى قوله:"فمن كان مِن أهل الصلاة". يريدُ مَن أكثَر منها، فنُسب إليها؛ لأنَّ الجميع من أهل الصلاة، وكذلك مَن أكثَر من الجهادِ ومن الصِّيام على هذا المعنى ونُسِب إليه، دُعِيَ من بابِه ذلك، واللّه أعلمُ.
وممّا يُشْبِهُ ما ذكَرْنا، ما جاوَبَ به مالكٌ رحمه اللهُ العُمرِيَّ العابدَ، وذلك أن عبدَ الله بنَ عبد العزيز العُمرِيَّ العابدَ كتب إلى مالكٍ يحضُّه إلى الانفرادِ والعمل، وَيَرغَبُ به عن الاجتماع إليه في العلم، فكتب إليه مالكٌ: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قسَم الأعمالَ كما قسَم الأرزاق، فرُبَّ رجلٍ فُتِح له في الصلاةِ ولم يُفتَحُ له في الصوم، وآخرُ فُتِح له في الصدقةِ ولم يُفتَحْ له في الصيام، وآخرُ فُتِح له في الجهادِ ولم يُفتَحْ له في الصلاة، ونَشْرُ العلم وتعليمُه من أفضلِ أعمال البرِّ، وقد رَضِيتُ بما فتَح الله لي فيه من ذلك، وما أظنُّ ما أنا فيه بدونِ ما أنت فيه، وأرجو أن يكونَ كِلانا على خير، ويجبُ على كلِّ واحدٍ منّا أن يَرضى بما قُسِم له، والسلام. هذا معنى كلامِ مالكٍ؛ لأنِّي كتبتُه من حفظي وسقَط عنِّي في حين كتابتي أصلي منه.
وأما قوله:"مَن أنفَق زوجَين". معناه عندَ أهل العلم: مَن أنفَق شيئين من نوع واحدٍ؛ نحو درهمين، أو دينارَين، أو فرسَين، أو قميصَين، وكذلك مَن صلَّى رَكْعتين، ومشَى في سبيل الله خُطوتَين، أو صام يومين، ونحوَ ذلك كلِّه، وإنَّما أرادَ، واللّه أعلم، أقلَّ التَّكرار، وأقلَّ وجوهِ المُداومة على العملِ من أعمالِ البرِّ، لأنَّ الاثنين أقلّ الجمع، ومن أعلى من روينا عنه هذا التفسير في زوجَين في هذا الحديث، الحسنُ البصريُّ رحمه الله.
حدَّثني أحمدُ بن فَتْح، قال: حَدَّثَنَا محمدُ بنُ عبدِ الله بن زكريّا النيسابوريُّ، قال: حدَّثني عمِّي أبو زكريا يحيى بنُ زكريا، قال: حَدَّثَنَا محمدُ بنُ يحيى، قال: