للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: ٢]. يعني، واللّهُ أعلمُ، أنَّ مَن فعَل فعلَهم استحقَّ أن ينالَه ما نالَهم أو يغفر اللهُ. كذلك قال أهلُ العلم (١)، وهو الصحيحٌ.

ويحتمِلُ قولُه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إنَّما هلَكتْ بنو إسرائيلَ حين اتخذَها نساؤُهم". أنَّه من الأمرِ الذي لَمْ يفشُ في بني إسرائيلَ، ولم يشتهِرْ في نسائِهم إلَّا حين ارتكابِهم الكبائرَ، وإعلانِهم المناكرَ، فكأنَّها علامةٌ لا تكادُ تظهرُ إلَّا في أهلِ الفِسْق والمعاصي، واللّهُ أعلمُ، لا أنَّها فعلةٌ يستحقُّ مَن فعَلها الهلاكَ عليها دون أن يجامعَها غيرُها.

وقد يحتمِلُ أن يكونَ بنو إسرائيلَ نُهوا عن ذلك في كتابِهم نهيًا مجرَّدًا، ففعَلوا ذلك مع علمِهم (٢) بتحريم ذلك؛ استخْفافًا، فاستحقُّوا العقوبةَ. والذي مُنِع من ذلك بنو إسرائيلَ، قد جاء عن نبيِّنا - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مثلُه، من كراهيةِ اتِّخاذِ النِّساء الشعورَ المستعارةَ، ووصلِهنَّ بذلك شعورَهنَّ. وفيه ورَد الحديثُ بلعنِ الواصلةِ والمستوصلةِ، والواصلةُ هي الفاعلةُ لذلك، والمستوصلةُ الطَّالبةُ أن يُفعَلَ بها ذلك.

حَدَّثَنَا أحمدُ بنُ قاسم بنِ عيسَى، قال: حَدَّثَنَا عبيدُ الله (٣) بنُ محمدِ بنِ حَبَابةَ، قال: حَدَّثَنَا البغويُّ، قال (٤): حَدَّثَنَا عليُّ بنُ الجعدِ، قال: حَدَّثَنَا شعبةُ، عن عمرِو بنِ مرَّةَ، قال: سمِعتُ الحسنَ بنَ مسلم بنِ ينَّاقٍ يحدِّثُ، عن صفيَّةَ ابنةِ شيبةَ، عن عائشةَ، قالت: تزوَّجَت امرأةٌ من الأنصارِ، فمرِضتْ، وتمرَّط شعَرُها، فأرادوا أن يصلوا فيه، فسُئل رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك، فلعَن رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الواصلةَ والمستوصلةَ (٥).


(١) انظر: تفسير النسفي ٣/ ٤٥٦.
(٢) في م: "عملهم"، وهو تحريف.
(٣) في الأصل: "عبد الله"، خطأ بيّن، والمثبت من بقية النسخ. وينظر: تاريخ الإسلام ٨/ ٦٥٠.
(٤) هو أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، والحديث عنده في مسند علي بن الجعد (١١٤).
(٥) وأخرجه البخاري (٥٩٣٤) عن آدم بن أبي إياس، ومسلم (٢١٢٣) من طريق أبي داود الطيالسي، ومن طريق يحيى بن أبي بكرٍ، ثلاثتهم عن شعبة، بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٥٢٠٥)، ومسلم (٢١٢٣) من طريق إبراهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم، به. وتمرُّطُ الشعر: هو انتِتافُه وتَقطُّعُه. انظر: مشارق الأنوار للقاضي عياض ١/ ٣٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>