للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم رجَع عن ذلك؛ لهذا الحديثِ وأشباهِه، لإجماعِهم على الصُّوفِ من الحيِّ أنَّه طاهرٌ، وأمَّا الصوفُ من الميتةِ فمختلَفٌ فيه (١).

وأمَّا الكلامُ في الخطبةِ بالمواعظِ والسننِ وما أشْبَه ذلك فمباحٌ، لا خلافَ بينَ العلماء في ذلك، واختلَفوا في سائرِ الكلامِ في الخطبةِ للمأمومِ والإمام، نحوَ تشميتِ العاطسِ، وردِّ السلامِ، وللكلامِ في ذلك موضعٌ من كتابِنا غيرُ هذا (٢)، وبالله توفيقُنا.

واحتجَّ بهذا الحديثِ أيضًا مَن زَعَم أنَّ عملَ أهلِ المدينةِ لا حجَّةَ فيه، وقال: ألا ترى أنَّ معاويةَ رضِي اللهُ عنه يقولُ: أين عُلماؤُكم؟ يريدُ: أين علماؤُكم عن تغييرِ مثلِ هذا، والحفظِ له، والعملِ به ونشرِه؟ يريدُ أنَّ المدينةَ قد يظهَرُ فيها ويُعملُ بينَ ظهراني أهلِها بما ليس بسُنَّةٍ، وإنَّما هو بدعةٌ. واحتجَّ قائلُ هذا القولِ بروايةِ مالكٍ (٣)، عن عمِّه أبي سهيلِ بنِ مالكٍ، عن أبيه، وعن كبارِ التَّابعين، أنَّه قال: ما أعْرِفُ شيئًا ممَّا أدركتُ الناسَ عليه إلَّا النِّداء بالصلاةِ.

وقد حكَى إسماعيلُ بنُ أبي أُوَيسٍ، عن مالكٍ، أنَّه سئلَ عمَّا يصنعُ أهلُ المدينةِ ومكةَ من إخْراجِ إمائِهم عراةً متَّزراتٍ، وأبدانُهنَّ ظاهرةٌ وصدورُهنَّ، وعمَّا يصنعُ


= فتبين من ذلك أن المرفوع في هذا الحديث لا يثبت من وجه صحيح سليم من علة، وأن أصح الروايات في ذلك طريق معمر ومن تابعه عن زيد بن أسلم مرسلًا، وهو الذي رجحه الدارقطني، وقال: المرسل أشبه بالصواب.
وسأل الترمذي شيخه البخاري عن الحديث المرفوع فيما إذا كان محفوظًا، فقال: نعم، وقال: قلت له: عطاء بن يسار أدرك أبا واقد؟ فقال: ينبغي أن يكون أدركه، عطاء بن يسار قديم (ترتيب العلل الكبير، رقم ٤٣٧). على أن العلة ليس في إدراك عطاء، ولكن في ضعف من رواه مرفوعًا، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، كما بيناه في تحرير التقريب (٣٩١٣)، وعبد الله بن جعفر والد علي بن المديني، ولذلك ساقه ابن عدي في ترجمة عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار من الكامل ٥/ ٤٨٧ من بين الأحاديث المستنكرة عليه.
(١) انظر: المجموع للنووي ١/ ٢٣٢.
(٢) سيتكلم المصنّف على ذلك عند شرح حديث أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قلت لصاحبك: أنصِت، والإمام يخطب فقد لغوت"، وهو الحديث (٢٧٣) في الموطأ ١/ ١٥٩.
(٣) الموطأ ١/ ١٢٠ (١٨٧)، وليس فيه: "وعن كبار التابعين".

<<  <  ج: ص:  >  >>