للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزبيرِ، عن النعمانِ بنِ بَشيرٍ، أنَّ أباه نحَلَه نِحْلَةً، فأتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ليشهِدَه، فقال: "أكلَّ بَنِيكَ أعطَيتَ مثلَ هذا؟ ". قال: لا. فأبَى أن يَشهَدَ (١).

وفي هذا الحديثِ من الفِقهِ جوازُ العَطِيَّةِ من الآباء للأبناء، وهذا في صِحَّةِ الآباء؛ لأنَّ فِعلَ المريضِ في مالِه وصِيَّةٌ، والوصِيَّةُ للوارِثِ باطِل (٢). وهذا أمرٌ مُجتمَعٌ عليه (٣)، فيُستَغنى عن القولِ فيه، وقد بَيَّنا هذا المعنَى في بابِ ابنِ شهابٍ، عن عامِرِ بنِ سعدٍ (٤).

وفيه التَّسوِيَةُ بينَ الأبناء في العطاءِ؛ لقولِه: "أكلَّ وَلَدِك أعطَيتَه مثلَ هذا؟ ". واختَلفَ الفقهاءُ في هذا المعنى؛ هل هو على الإيجابِ أو على الندبِ؟ فأمَّا مالكٌ، والليثُ، والثوريُّ، والشافعيُّ، وأبو حنيفةَ، وأصحابُهم (٥)، فأجازُوا أن يَخُصَّ بعضَ ولَدِه دونَ بعضٍ بالنِّحلَةِ والعَطِيَّةِ، على كَراهِيةٍ من بعضِهم، على ما يأتي من أقاويلِهم في هذا البابِ، والتَّسوِيَةُ أحَبُّ إلى جميعِهم.

وكان مالكٌ يقولُ: إنَّما معنى هذا الحديثِ الذي جاء فيه، فيمَن نَحَل بعضَ ولَدِه مالَه كلَّه. قال: وقد نحَل أبو بكرٍ رضِيَ اللهُ عنه عائشةَ دُونَ سائرِ ولَدِه (٦)، حكَى ذلك عنه ابنُ القاسِم، وأشْهَبُ.


(١) أخرجه أبو عوانة (٥٦٨٥) عن أبي قِلابة - وهو عبد الملك بن محمد الرَّقَاشي - بهذا الإسناد. وقد خالف عبدَ الصمد - وهو ابن عبد الوارث العنبري - أبو عامر العَقَدي عبدُ الملك بن عمرو عند النسائي (٣٦٧٧) فرواه عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن عروة، عن بشير والد النعمان. والصحيح رواية عبد الصمد لموافقتها لرواية هشام بن عروة عن أبيه.
(٢) في م: "باطلة"، والمثبت من النسخ.
(٣) انظر: الإجماع لابن المنذر (٣٣٦)، لكن قيّد أكثرهم ذلك عند عدم إجازة باقي الورثة كما هو مبين في كلام ابن المنذر، وكذلك قاله الخطابي في معالم السنن ٤/ ٨٥.
(٤) يعني عند شرح الحديث (٢٢١٩) في الموطأ ٢/ ٣١١.
(٥) انظر: المحلى لابن حزم ٨/ ٩٧، والمغني لابن قدامة ٦/ ٥١ - ٥٢.
(٦) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٢٩٨ (٢١٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>