للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشافعيُّ: تَرْكُ التَّفضِيلِ في عَطِيَّةِ الأبناء فيه حُسنُ الأدَبِ، ويجوزُ له ذلك في الحُكم. قال: وله أن يَرجِعَ فيما وهَب لابنِه؛ لقولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "فارْجِعْه" (١). واستَدَلَّ الشافعيُّ بأنَّ هذا الحديثَ على النَّدْبِ، بنحوِ ما استَدَلَّ به مالكٌ رحِمه اللهُ من عَطِيَّةِ أبي بكرٍ عائشةَ، وبما روَاه داودُ بنُ أبي هندٍ، عن الشعبيِّ، عن النعمانِ بنِ بشيرٍ، قال: نَحَلَني أبي نُحْلًا، وانطلَق بي إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ليُشهِدَه على ذلك، فقال: "أكُلَّ ولَدِكَ نَحَلتَه مثلَ هذا؟ ". فقال: لا. قال: "أيسُرُّكَ أن يكونوا لك في البِرِّ كلُّهم سواءً؟ ". قال: نعم. قال: "فأشهِدْ على هذا غيري" (٢). قال: وهذا يَدُلُّ على صحَّةِ الهِبَةِ؛ لأنَّه لم يأمُرْ برَدِّها، وإنَّما أمَره بتأكِيدِها بإشهادِ غيرِه عليها، وإنَّما لم يَشهَدْ عليه السلامُ عليها لتَقصِيرِه عن أوْلى الأشياء به، وتَركِه الأفضَلَ.

وقال الثوريُّ: لا بأسَ أن يَخُصَّ الرجلُ بعضَ ولَدِه بما شاء.

وقال أبو يوسفَ: لا بأسَ بذلك إذا لم يُرِدِ الإضرارَ، وينبغي أن يسَوِّيَ بينَهم؛ الذكرُ والأُنثى (٣). وقد رُوِي عن الثوريِّ أنَّه كَرِه أن يُفَضِّلَ الرجلُ بعضَ ولَدِه على بعضٍ في العَطِيَّةِ.

وكَرِه عبدُ الله بنُ المباركِ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ، أن يُفَضِّلَ بعضَ ولَدِه على بعضٍ في العطايا. وكان إسحاقُ يقولُ مثلَ هذا (٤)، ثم رجَع إلى مثلِ قولِ الشافعيِّ.

وكلُّ هؤلاء يقولُ: إن فعَل ذلك أحَدٌ، نَفَذ، ولم يُرَدَّ. واختُلِف في ذلك عن أحمدَ بنِ حنبلٍ، وأصَحُّ شيءٍ عنه في ذلك ما ذكَره الخِرَقِيُّ في "مختصرِه" عنه،


(١) انظر: مختصر الخلافيات للبيهقي ٣/ ٤٥٧.
(٢) أخرجه مسلم (١٦٢٣) من طريق إسماعيل ابن عُلَيّة، عن داود بن أبي هند.
(٣) انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ١٤٢ - ١٤٥.
(٤) انظر: الأوسط لابن المنذر ١٢/ ٢٢ - ٢٩ (٨٨١٦ - ٨٨٢٣)، ومعالم السنن للخطابي ٣/ ١٧٢ - ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>