للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى مات، على أنَّ الهِبَةَ لم تكنْ في الباطنِ صحيحَةً، وإنَّما هو كلامٌ تكلَّم به الواهِبُ لتكونَ الهِبَةُ بيَدِه كما كانت، حتى إذا مات خرَجت عن وَرثتَهِ، فالهِبَةُ على هذا باطِلٌ (١). وهو معنى حديثِ عمرَ عندَهم الذي روَاه مالكٌ (٢)، عن ابنِ شهابٍ، عن عُروةَ بنِ الزبيرِ، عن عبدِ الرحمن بنِ عَبدٍ القاريِّ، أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ، قال: ما بَالُ رجالٍ يَنحَلُون أبناءَهم نُحْلًا ثم يُمسِكونَها، فإن مات ابنُ أحَدِهم قال: مالي بيَدِي لم أُعْطِه أحَدًا، وإن مات هو قال: هو لابني، قد كنتُ أعطَيتُه إيَّاه! مَن نَحَل نِحْلَةً لم يَحُزْها الذي نُحِلها حتى تكونَ إن مات لوَرَثتِه، فهي باطلٌ.

وقال الشافعيُّ: ليس لأحدٍ أن يَرجعَ في هِبَتِه إلَّا الوالِدَ فيما وهَب لبنيه، وليس في الصدقةِ رُجوعٌ؛ لأنَّه أُرِيد بها وجهُ الله عزَّ وجلَّ. وهِبَةُ المُشَاع عندَه جائزٌ، والقبضُ فيها كالقبضِ في البُيوع (٣)، والهِبَةُ للثوابِ عندَه باطلٌ؛ لأنَّها معاوَضَةٌ على مجهولٍ، وذلك بيعٌ لا يجوزُ، ولا معنى عندَه للهِبةِ على الثوابِ، وهي مردودَةٌ ليست بشيءٍ (٤). وحُجَّتُه فيما ذهَب إليه من تَخصيصِ الولدِ بالرجوعِ في الهِبَةِ، حديثُ حُسينٍ المُعلِّمِ، عن عمرِو بنِ شعيب، عن طاوُسٍ، عن ابنِ عمرَ وابنِ عباسٍ جميعًا، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "لا يَحِلُّ لأحدٍ أن يَرجعَ في هبَتِه إلَّا الوالدَ" (٥).


(١) انظر: الموطأ ٢/ ٢٩٩ و ٣٠٠ (٢١٩١) و (٢١٩٤)، وشرح الموطأ للباجي ٦/ ١٠٨.
(٢) الموطأ ٢/ ٢٩٩ (٢١٩٠).
(٣) انظر: اختلاف الفقهاء للمروزي (٣٥٨)، والمهذب لأبي إسحاق الشيرازي ٢/ ٣٣٥.
(٤) المهذب للشيرازي ٢/ ٣٣٥ - ٣٣٦.
(٥) إسناده صحيح. طاووس: هو ابن كيسان اليماني.
وأخرجه عبد الله بن المبارك في مسنده (٢٠٢)، وإسحاق بن راهوية في مسنده قسم مسند ابن عباس (٨٠٣)، وأحمد ٤/ ٢٦ و ٢٧ (٢١١٩) و (٢١٢٠)، وابن ماجة (٢٣٧٧)، وأبو داود (٣٥٣٩)، والترمذي (١٢٩٩)، والنسائي (٣٦٩٠) و (٣٧٠٣)، وأبو يعلى (٢٧١٧)، وابن الجارود في المنتقى (٩٩٤)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (١٦٤٧)، وابن المنذر في الأوسط (٨٨١٤)، وفي الإقناع (١٣٩)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (٥٠٦٢ - ٥٠٦٧)، وفي شرح =

<<  <  ج: ص:  >  >>