للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صدَقَةٍ، فإنَّه لا يرجعُ فيها، ومَن وهَب هِبَةً يَرَى أنه أراد بها (١) الثوابَ، فهو على هبَتِه، يَرجِعُ فيها إذا لم يُرْضَ منها. وروَى الأسودُ، عن عمرَ نحوَ حديثِ مروانَ هذا، فيمَن وهَب لِصلَةِ رَحِمٍ أو قَرابةٍ (٢)، وليس في حديثِ عمرَ ذكرُ الزَّوجَين. وقولُهم في الهِبَةِ للثوابِ: إنَّها جائزةٌ. على نحوِ ما قالَه مالكٌ (٣)، إلا أنَّها إن زادَت عندَ الموهوبِ له (٤)، أو نقَصت، أو هلَكت، لم يكنْ فيها رُجوعٌ عندَهم. وهو قولُ الثوريِّ (٥). وهِبَةُ المُشَاعِ عندَهم غيرُ صحِيحةٍ؛ لأنَّ الهِبَةَ لا تصِحُّ إلَّا بالقَبضِ، ولا سبيلَ إلى قَبضِ المُشَاعِ فيما زَعَموا، ولو قُبِضَ الجميعُ لم يكنْ قَبضًا عندَهم، وإنَّما القَبضُ عندَهم أن يُقبَضَ مفروزًا مَقسومًا. وهذا كلُّه فيما ينقَسِمُ فلم يُقْسَمْ، وما لم يكنْ قَبْضًا (٦)، فهي عندَهم عِدَةٌ لا تَلزَمُ الواهبَ (٧).

وأمَّا مالكٌ فإنَّه يُجِيزُ هِبَةَ المُشَاعِ إذا قبَضَ الموهوبُ له جميعَ الشيء المُشَاعِ وبانَ به (٨)، وتَصحُّ الهِبَةُ عندَه بالقولِ، وتَتِمُّ بالقبضِ، وللموهوبِ له أن يُطالِبَ الواهِبَ بها، ولورثَتِه أن يقوموا في ذلك مَقامَه بعدَه، فإن مات الواهبُ قبلَ قَبضِ الهِبَةِ، فهي باطلٌ حينئذٍ؛ لأنَّهم أنزَلُوها حينَ وهَب، ولم يُسلِّمْ ما وهَب


(١) من هنا إلى قوله: "الثواب" سقط كله من م.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (٢٢١٢١)، وابن المنذر في الأوسط (٨٨١٢) و (٨٨٣٩)، والطحاوي في شرح مشكل الاثار بإثر (٥٠٣٥) ١٣/ ٣٣، وفي شرح معاني الآثار ٤/ ٨١، وابن حزم في المحلى ٨/ ٧٣ - ٧٤ من طريق الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود النخعي، عن عمر.
(٣) انظر: اختلاف العلماء لمحمد بن نصر المروزي (٣٥٨)، والأوسط لابن المنذر ١٢/ ٤٩ - ٥١، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ١٥٢.
(٤) في م: "له للثواب"، والمثبت من الأصل.
(٥) انظر: اختلاف الفقهاء للمروزي (٣٥٩).
(٦) في م: "قبض"، والمثبت من الأصل.
(٧) انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ١٣٩.
(٨) انظر: بداية المجتهد لابن رشد الحفيد ٤/ ١١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>