للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، لا من جِهَةِ التحريم. قال: ولو كان ذلك حرامًا ما نحَل أبو بكرٍ عائشةَ من بينِ سائِرِ ولدِه (١).

وقال أبو حنيفةَ، وأصحابُه، والثوريُّ، وأكثَرُ العراقيِّينَ: مَن وهَب هِبَةً لذي رحمٍ مَحْرَمٍ، ولَدًا كان أو غيرَه، فلا رُجوعَ له فيها؛ لأنَّها والصدقةَ سواءٌ إذا أراد بها صِلةَ الرحمِ. وهو قولُ إسحاقَ بنِ راهُويَة في مراعاةِ الرَّحِمِ المَحْرَمِ، وأنَّه لا يَعتَصِرُ ولا يَرجِعُ مَن وهَب هِبَةً لذي رحِمٍ مَحْرَمٍ، وأنَّها كالصَّدقَةِ لله، لا يَرِجُع في شيءٍ منها (٢). وجُملَةُ قولِ الكُوفيِّين أنَّهم قالوا: مَن وهَب لولدِه هِبَةً مَقسومةً معلومةً، فإن كان الولدُ صغيرًا، غُلامًا أو جاريةً، فالهِبَةُ له جائزةٌ، وليس للوالدِ أن يرجِعَ في ذلك، ولا يَعتَصِرَه (٣)، وإن كان الولدُ كبيرًا، لم تَجُزِ الهِبَةُ حتى يَقبِضَها الولدُ، فإذا قبَضها، فهي له جائزةٌ، وليس للوالدِ أن يرجِعَ فيها، ولا يَعتَصِرَها. قالوا: وكذلك النُّحلُ والصدقةُ (٤). والزَّوجانِ عندَهم فيما يَهَبُ بعضُهما لبعضٍ كذي الرَّحِمِ المحرَمِ، لا يجوزُ لأحدِهما أن يرجِعَ في شيءٍ ممَّا أعطَى صاحِبَه (٥). ومن حُجَّتِهم فيما ذهَبوا إليه من ذلك ما رَواه مالكٌ (٦)، عن داودَ بنِ الحُصينِ، عن أبي غطَفانَ بنِ طَرِيفٍ المُرِّيِّ، عن مروانَ بنِ الحكمِ، أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ قال: مَن وهَب هِبَةً يَرَى أنَّه أراد بها صلةَ الرحِمِ، أو على وجهِ


(١) انظر: المغني لابن قدامة ٦/ ٥٢.
(٢) انظر: اختلاف الفقهاء لمحمد بن نصر المروزي (٣٥٨)، والأوسط لابن المنذر ١٢/ ١٨ (٨٨١٢)، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ١٥٢ - ١٥٥.
(٣) انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ١٤٠.
(٤) انظر: الأوسط لابن المنذر ١٢/ ١٩، ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ١٣٧.
(٥) انظر: اختلاف الفقهاء لمحمد بن نصر المروزي (٣٥٧) و (٣٥٨)، ومختصر اختلاف العلماء ٤/ ١٥٢.
(٦) الموطأ ٢/ ٣٠٠ (٢١٩٥). لكن سقط من رواية يحيى الليثي ذكر مروان بن الحكم من إسناده، وثبت لغيره من رواة الموطأ، كأبي مصعب الزهري ٢/ ٤٨٦ (٢٩٤٧) ومحمد بن الحسن (٨٠٥)، وسويد بن سعيد (٢٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>