للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن وهَبت لابنِها وأبوه حَيٌّ، ثم مات، وأرادَت أن تَرجعَ في هِبَتِها تلك، فقد اختَلَف أصحابُ مالكٍ في ذلك، والمشهورُ من المذهبِ أنَّها لا تَرجِعُ.

وأمَّا الأبُ فله أن يَرجِعَ أبدًا في هِبَتِه لابنِه، هذا إذا كان الولدُ الموهوبُ له لم يَستَحدِثْ دَينًا يُدَاينُه الناسُ ويأمَنونَه عليه من أجلِ تلك الهِبَةِ، أو يَنكِحْ، فإذا تَدايَن أو نَكَح، لم يكنْ للأبِ حِينَئذٍ الرجوعُ فيما وهَب له (١)، وهذا إنَّما هو في الهِبَةِ، فإن كانت صَدَقةً، لم يكنْ فيها رُجوعٌ؛ لأنَّ الصدقةَ إنَّما يُرادُ بها وجهُ الله تعالى، فلا رُجوعَ لأحدٍ فيها، أبًا كان أو غيرَه.

وقولُ مالكٍ في الهِبَةِ للثوابِ أنَّ الواهِبَ على هِبَتِه إذا أراد بها الثوابَ حتى يُثابَ منها، أبًا كان أو غيرَه، إلَّا أن تتغيَّرَ بزيادةٍ أو نُقصانٍ عندَ الموهوبِ له، أو تَهلِكَ، فإن كان ذلك، وطلَب الواهِبُ الثوابَ، فإنَّما له قيمَتُها يومَ قبَضها (٢). وكان إسحاقُ بنُ راهُويَة يذهَبُ إلى هذا.

وكان مالكٌ يذهَبُ إلى أنَّ قولَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في حَديثه في هذا البابِ: "فارْجِعْه". أمْرُ إيجابٍ لا نَدْبٍ، وكان يقولُ: إنَّما أمَره رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك؛ لأنَّه نحَله من بين سائرِ بنيه مالَه كلَّه، ولم يكنْ له مالٌ غيرُ ذلك العَبدِ؛ حكَى ذلك أشهبُ عن مالكٍ، قال أشهبُ: فقيل لمالكٍ: فإذا لم يكنْ للناحِلِ مالٌ غيرُه، أيرتَجِعُه بعدَ النِّحلَةِ؟ فقال: إنَّ ذلك ليقالُ، وقد قُضِي به عندَنا في المدينةِ.

وقال غيرُ مالكٍ: لا يُعرَفُ ما ذكَره مالكٌ من أنَّ بَشِيرًا لم يكنْ له مالٌ غيرُ ذلك العبدِ. قال: وإنَّما أمَره رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - برَدِّ تلك العَطِيَّةِ من أجلِ ما يُوَلِّدُ ذلك من العداوةِ بينَ البنينَ، ورُبَّما أبغَضوا أباهم على ذلك، فكرِه ذلك كلَّه (٣)


(١) انظر: كلام الإمام مالك في الموطأ ٢/ ٣٠١ (٢١٩٨) و (٢١٩٩)، وشرح الباجي عليه ٦/ ١١٧.
(٢) انظر: الموطأ ٢/ ٣٠١ (٢١٩٦).
(٣) "كله" سقطت من م.

<<  <  ج: ص:  >  >>