للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها إلى قَبضٍ أحدٍ، وما لم يَرجِعْ فيها أبوه بإشهادٍ بَيَّن به رُجُوعَه في تلك الهِبَةِ، فهي للابنِ، وعلى مِلكِه، فإن رجَع فيها الأبُ بالقولِ والإعلانِ وعُرِف ذلك، كان ذلك له، وإلَّا فهي للابنِ، وعلى مِلْكِه على أصلِ إشهادِه بالهِبة له وهو صغيرٌ، ولا يضُرُّه موتُه وهي بيَدِه؛ لأنَّها قد نفَذت له وهو صغيرٌ، فما لم يَرجِعْ فيها الأبُ بالقولِ، فهي على ذلك الأصلِ في مذهَبِه عندِي (١)، واللهُ أعلمُ. وسنذكُرُ قولَ مالكٍ في ذلك (٢) بعدَ هذا إن شاء اللهُ.

وقال أبو ثور، وأحمدُ بنُ حنبل: تصحُّ الهِبةُ والصدقةُ غيرَ مقبوضةٍ. وسواءٌ كانتِ الهِبةُ مُشاعًا أو غيرَ مُشاع، والقَبضُ فيهما عندَهما كالقَبضِ في البيع. ورُوِي عن عليِّ بنِ أبي طالبِ أنَّ الهِبةَ تجوزُ وتصحُّ وإن لم تُقبَضْ، من وجْهٍ ضعيفٍ عن عِليٍّ (٣) لا يُحتَجُّ بمِثلِه (٤). ولم يختَلِفْ قولُ أبي ثورٍ في ذلك في شيءٍ من كُتُبِه.

وأمَّا أحمدُ بنُ حنبلٍ، فقد اختُلِفَ عنه في ذلك، وأصحُّ شيءٍ في ذلك عن أحمدَ أنَّ الهبةَ والصدقةَ فيما يُكالُ أو يُوزنُ، لا يَصِحُّ شيءٌ منها إلَّا بالقَبضِ، وما عَدَا المكيلَ والموزونَ فالهِبَةُ صحيحةٌ جائزةٌ بالقولِ وإن لم تُقبَضْ (٥)، وذلك كلُّه إذا قَبِلها الموهوبُ له، والمُشَاعُ وغيرُ المُشَاع في ذلك سواءٌ، كالبيع.

وقال أبو ثور: كلُّ مَن عَدَا الأبَ، فليس له أن يَرجِعَ في هِبتِه، سواءٌ أراد بها الثوابَ أو لم يُرِدْ. وحُجَّتُه في ذلك كحُجَّةِ الشافعيِّ (٦)، حديثُ ابنِ عباسٍ


(١) انظر: الأوسط لابن المنذر ١٢/ ٤٢ - ٤٣.
(٢) قوله: "في ذلك" لم يرد في الأصل.
(٣) قوله: "عن عليّ" سقط من م.
(٤) انظر: اختلاف الفقهاء للمروزي (٣٥٣).
(٥) انظر: المغني لابن قدامة ٦/ ٤١ - ٤٢.
(٦) انظر: الأوسط لابن المنذر ١٢/ ٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>