للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا حَرَجَ". قال آخَرُ: يا رسولَ الله، ذَبَحْتُ قبلَ أن أرْميَ؟ قال: "ارْمِ ولا حَرَجَ". قال آخَرُ: يا رسولَ الله، طُفْتُ بالبيتِ قبلَ أن أذْبَحَ؟ قال: "اذْبَحْ ولا حَرَجَ". قال: فما سُئِل عن شيءٍ قُدِّمَ ولا أُخِّرَ إلَّا قال: "لا حَرجَ، لا حَرَجَ".

ولم يَقُلْ أحَدٌ في هذا الحديثِ: طُفْتُ بالبيتِ قبلَ أنْ أذْبَحَ. إلَّا يحيى بنُ سَلَّامٍ، ولم يُتَابَعْ عليه. وهكذا رَوَاه جمهورُ أصْحابِ ابنِ شهابٍ كما رَواه مالكٌ في "مُوَطَّئِه".

وزاد فيه صالِحُ بنُ أبي الأخْضَرِ، عن ابنِ شهابٍ: وقَف رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على ناقَتِه (١). ولهذا ما رُوِي عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديثِ جابِرٍ (٢) ما اسْتَحَبَّ العلماءُ، واللهُ أعلمُ، أنْ يَرْمِيَ الرجلُ جَمْرَةَ العَقَبَةِ راكبًا. وممَّن اسْتَحَبَّ ذلك: مالكٌ، والشافعيُّ، وجماعَةٌ. قال مالكٌ رَحِمه اللهُ: يَرْمِي جَمْرَةَ العَقَبَةِ يومَ النحرِ راكِبًا وفي غيرِ يومِ النحرِ ماشِيًا (٣).

وفي هذا الحديثِ من الفِقْهِ وُجوهٌ كثيرةٌ من أحكامِ الحَجِّ؛ منها ما أجْمَعوا عليه، ومنها ما اخْتَلَفوا فيه، فأمَّا قولُه: فحَلَقْتُ قبلَ أن أذْبَحَ. فإنَّ العلماءَ مُجْمِعون كافّةً عن كافَّةٍ أنَّ واجِبًا على المحرمِ ألَّا يَأْخُذَ من شَعَرِه شيئًا من حينِ يُحْرِمُ بالحجِّ إلى أن يَرْمِيَ جَمْرَةَ العَقَبَةِ في وَقْتِ رَمْيِها (٤)، فإنِ اضْطُرَّ إلى حَلْقِ شَعَرِه لضَرورةٍ لازِمَةٍ، فالحُكْمُ فيه ما نَصَّ اللهُ في كِتابِه وبَيَّنَه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ (٥)، وقد شَرَحْنا ذلك فيما تَقَدَّمَ من كِتابِنا هذا. وأجْمَعوا أنَّ النبيَّ


(١) وكذلك جاء في رواية صالح بن كيسان عن الزهري عند أحمد ١١/ ٦٠١ (٧٠٣٢)، ومسلم (١٣٠٦) وغيرهما.
وكذلك في رواية يونس بن يزيد عن الزهري عند مسلم (١٣٠٦) وغيره.
وكذا في رواية معمر عن الزهري عند مسلم (١٣٠٦) وغيره.
(٢) سيخرجه المصنّف في أثناء شرح الحديث.
(٣) انظر: مختصر اختلاف العلماء ٢/ ١٥٩.
(٤) انظر: الإجماع لابن المنذر (١٤٣)، والإقناع لابن القطان ١/ ٢٦٠.
(٥) تقدم في الموطأ ١/ ٥٥٦ (١٢٥٠) و ١/ ٥٥٧ (١٢٥١) و (١٢٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>