للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غيرُهما؛ وهو رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فدلَّ ذلك، واللَّهُ أعلمُ، على أنَّ النِّيَّةَ في الإحرام بالحَجِّ ليس كالنِّيَّة في الإحرام بالصلاة، ألا تَرى أنَّ الدُّخولَ في الصلاةِ مُفتقِرٌ إلى القولِ والنِّيَّة جميعًا، وهو التَّكبيرُ واعتقادُ تعيينِ الصلاةِ بعينِها؟ وليس الحجُّ كذلك، لأنَّه يَصِحُّ عندَهم بالنِّيَّة دونَ التَّلبية، ألا تَرى أنَّ الحَجَّ قد يُدخَلُ فيه بغيرِ التَّلبيةِ من الأعمال، مثلَ إشعارِ الهَدي، والتَّوجُّهِ نحوَ البيتِ إذا نَوى بذلك الإحرام؟ ومثلَ أن يقول: قد أحرَمتُ بالحَجِّ، أو بالعُمرة، أو نحوَ ذلك، ولا يصِحُّ الإحرامُ في الصَّلاة إلّا بالتكبير، فلهذا جازَ نقلُ الإحرام في الحَجِّ من شيءٍ إلى مثلِه، ويُصحِّحُ ذلك قولُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن لم يكنْ معه هَديٌ، فلْيجعَلْها عُمرة". فأجازَ أنْ يدخُلَ فيه بوجهٍ ويصرِفَه إلى غيرِه، ولهذا قال: إنّه يدخُلُ فيه الصغير، ثم يبلُغُ فيَبني على ذلك في عملِه، إذا صَحَّ له الوقوفُ بعرفة؛ لأنَّه أصلُ الحَجِّ الذي يُبنَى عليه ما سِواه منه، والكلامُ في هذه المسألةِ يطول، وفيما لوَّحنا به مَقنَعٌ إن شاء اللَّه.

وقد ذكَر الربيعُ في كتاب البُوَيطيِّ، عن الشّافعيِّ، قال: ولو لبَّى رجلٌ ولم يَنْوِ حَجًّا ولا عُمرةً، لم يكُنْ حاجًّا ولا معتمِرًا، ولو نَوَى ولم يُحرِمْ حتى قضَى المناسك، كان حَجُّه تامًّا (١). واحتَجَّ بحديثِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الأعمالُ بالنِّيَّة" (٢).

قال: ومَن فعَل مثلَ فِعْل عليٍّ رضي اللَّه عنه حينَ أهَلَّ على إهلالِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أجزأتْه تلكَ النِّيَّة؛ لأنَّها وقَعَت على نِيَّةٍ لغيره قد تقدَّمت.


(١) ومثل ذلك نقل عنه المُزني في مختصره ٨/ ١٦٢. وينظر: حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء ٣/ ٢٣٧ لأبي بكر القفّال الشاشي.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ١/ ٣٠٣ (١٦٨)، والبخاري (٥٤)، ومسلم (١٩٠٧) من حديث علقمة بن وقاص، عن عمر بن الخطّاب رضي اللَّه عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>