للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قولُه: "أدْحَرُ". فمعناه أبعدُ من الخيرِ وأهونُ، والأدْحَرُ: المطرُودُ المُبعَدُ من الخير المُهان، يقال: ادْحَرْه عنك؛ أي: اطْرُدْه وأبْعِدْه.

وأمّا قولُه: "يَزَعُ الملائكة". فقال أهلُ اللُّغة: معنى يَزَعُ: يَكُفُّ ويَمنَعُ. إلّا أنّها هاهُنا بمعنى يُعبِّئُهم ويُرتِّبُهم للقتالِ ويَصُفُّهم، وفيه معنَى الكَفِّ؛ لأنَّه يَمْنَعُهم عن الكلام (١) من أنْ يَشِفَّ بعضُهم على بعض (٢)، ويخرُجَ بعضُهم عن بعضٍ في التَّرتيب.

قالوا: ومنه قولُ اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: ١٧]. وقد تَكْني العربُ بهذه اللفظةِ عن الموعظة؛ لِما فيها من معنى الكفِّ والمنع والرَّدع والزَّجر، قال النابغةُ الذبيانيُّ (٣):

على حينَ عاتَبْتُ المَشِيبَ على الصِّبَا ... وقلتُ ألمَّا أصْحُ والشَّيْبُ وازعُ

وقال لَبيدٌ العامريُّ (٤):

إذا المرءُ أسرَى ليلةً ظنَّ أنَّهُ ... قضَى عمَلًا والمرءُ ما عاشَ عاملُ

فقُولا له إنْ كان يَعقِلُ أمْرَهُ ... ألمَّا يَزَعْكَ الدَّهْرُ أُمُّكَ هابِلُ


(١) قوله: "عن الكلام" لم يرد في ق، ف ١، وهو ثابت في الأصل.
(٢) الشَّفُّ: قال ابن سيده في كتاب الأضداد من المحكم ٤/ ١٧٨: "والشَّفُّ الفضْل والنُّقصان"، وقال ابن فارس في مجمل اللغة ١/ ٤٩٧: "والشَّفُّ: الزيادة، يقال: أشْفَفْتُ بعضَ ولدي على بعض، أي: فضَّلتَهم".
(٣) ديوانه ص ٤٤.
(٤) ديوانه ص ٢٥٤، وعنده في البيت الثاني بلفظ:
فقولا له إن كان يقْسِم أمْرَهُ ... ألمّا يعِظْكَ الدهرُ أُمُّك هابِلُ
وبهذا اللفظ أورده ابن قتيبة في الشعر والشعراء ١/ ٢٧١، والأزهري في تهذيب اللغة ٨/ ٣٢٠، وعبد القادر البغدادي في خزانة الأدب ٢/ ٢٥٢.
وقوله: "أُمُّكَ هابِلُ" هابِل: من هَبلَتْهُ، أي ثكِلتْهُ وعدمتُه. قال الزَّبيدي: قد يُستعمل في معنى المدح والأعجاب، يعني: ما أعلَمَهُ! وما أصوبَ رأيه. تاج العروس (هبل).

<<  <  ج: ص:  >  >>