للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن جِهةِ النَّظر؛ لمَّا كانتِ الجُمُعةُ تمنعُ من الظُّهرِ دونَ غيرِها من الصَّلواتِ، دلَّ على أنَّ وقتَها وقتُ الظُّهرِ، وقد أجمَعُوا على أنَّه من صلَّاها في وقتِ الظُّهرِ فقد صلَّاها في وقتِها، فدلَّ ذلك على أنَّها ليست كصلاةِ العيدِ؛ لأنَّ العيدَ لا تُصلَّى بعد الزَّوال.

واختلَفُوا في آخرِ وقتِ الظُّهرِ؛ فقال مالكٌ وأصحابُه: آخرُ وقتِ الظُّهرِ إذا صارَ ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلَه، بعدَ القدرِ الذي زالت عليه الشمسُ، وهو أوَّلُ وقتِ العصرِ، بلا فصلٍ. وبذلك قال ابنُ المُباركِ وجماعةٌ (١). ويَستحبُّ مالكٌ لمساجدِ الجَماعاتِ أن يؤخِّروا العصرَ بعدَ هذا المِقدارِ قليلًا ما دامت الشمسُ بيضاءَ نقيَّةً (٢). وحُجَّةُ من قال ذلك حديثُ ابنِ عبَّاسٍ وغيرِه في إمامةِ جبريلَ، وأنَّه صلَّى بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الظُّهرَ في اليوم الثاني في الوقتِ الذي صلَّى فيه العصرَ بالأمسِ (٣) بلا فصلٍ (٤).

وقال الشّافعيُّ، وأبو ثور، وداودُ، وأصحابُهم (٥): آخرُ وقتِ الظُّهرِ إذا كان ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلَه، وبينَ آخرِ وقتِ الظُّهرِ وأوَّلِ وقتِ العصرِ فاصلةٌ؛ وهو أن يزيدَ الظِّلّ أدنى زِيادةِ على المِثلِ.

وحُجَّةُ من قال بهذَا القولِ حديثُ أبي قتادةَ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: "ليسَ التَّفريطُ في النَّومِ، إنَّما التَّفريطُ في اليَقظَةِ على من لم يُصلِّ الصَّلاةَ حتى يدخُلَ


(١) ينظر: المدوّنة ١/ ١٥٦، وحلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء لأبي بكر الشاشيّ القفّال ٢/ ٢١٤، وبداية المجتهد لابن رشد ١/ ١٠١.
(٢) ينظر: المدوّنة ١/ ١٥٦.
(٣) بعد هذا في ج: "من يومه ذلك"، ولم ترد في الأصل.
(٤) سلف تخريجه في شرح هذا الباب.
(٥) ينظر: الأمّ للشافعيّ ١/ ٩٠، والأوسط لابن المنذر ٣/ ١٨، وحلية العلماء للشاشيّ القفّال ٢/ ١٤، والمجموع شرح المهذّب للنووي ٣/ ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>