للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفِعْلُ عثمانَ هذا ومَذْهَبُه هو قولُ قَتادةَ والحسَنِ، كانا يقولان في سَهْم ذي القُرْبَى وسهْم رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصَفاياه: إنَّ ذلك كان طُعْمَةً لرَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كان حيًّا، فلمَّا تُوفِّي صار لوليِّ الأمْرِ بعدَه (١).

ويُشْبِهُ أنْ يكونَ مِن حُجَّةِ مَن ذهَب هذا المذْهَبَ حديثُ أبي الطُّفيْل ومِثْلُه: "إذا أطْعَم اللهُ نبيًّا طُعْمَةً فقُبِض، فهي للذي يَلي الأمْرَ بعدَه" (٢). وقد ذكرْنا تَأْويلَ هذا الحديثِ ومذْهَبَ رَاوِيه، وهو أبو بكرٍ رضي اللهُ عنه، وكيف يَسُوغُ لمسلم أن يَظُنَّ بأبي بكرٍ رضي اللهُ عنه مَنع فاطِمَةَ مِيراثَها مِن أبيها؟! وهو يَعْلَمُ بنَقْلِ الكافَّةِ أنَّ أبا بكرٍ كان يُعْطِي الأحمرَ والأسودَ حُقُوقَهم، ولم يَسْتأْثِرْ مِن مالِ الله لنَفْسِه ولا لبنيه، ولا لأحَدٍ مِن عَشِيرته بشيءٍ، وإنَّما أجْرَاه مَجرَى الصدقةِ. أليس يَسْتَحِيلُ في العُقُولِ أنْ يَمْنَعَ فاطِمَةَ ويرُدَّه على سائرِ المسلمين؟ وقد أمرَ بنيه أن يرُدُّوا ما زاد في مالِه منذُ وَلي على المسلمين، وقال: إنَّما كان لنا مِن أمْوالهم ما أكَلْنا مِن طَعامِهم، ولَبِسْنا على ظُهُورِنا مِن ثِيابِهم.

وروَى أبو ضَمْرَة أنسُ بنُ عِيَاض، عن عبيدِ الله بنِ عمرَ، عن عبدِ الرَّحمن بنِ القاسمِ، عن أبيه، عن عائشةَ، أنَّ أبا بكرٍ لما حضَرَتْه الوفاةُ قال لعائشةَ: ليس عندَ آلِ أبي بكرٍ مِن هذا المالِ شيءٌ إلَّا هذه اللِّقْحَةَ والغُلامَ الصَّيْقَل (٣)؛ كان يَعْمَلُ سيُوفَ المسلمين ويخدُمُنا، فإذا مِتُّ فادْفَعِيه إلى عُمرَ. فلمَّا مات دفَعَتْه إلى عمرَ، فقال عمرُ رَحِمه اللهُ: رَحِم اللهُ أبا بكرٍ، لقد أتْعَبَ مَن بعدَه (٤).


(١) ينظر في ذلك: المصنَّف لابن أبي شيبة، (باب سهم ذوي القُربى لمَن هو) (٣٤١٣٣) فما بعده، وجامع البيان لابن جرير الطبري ١٣/ ٥٥٩ فيما رواه من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في هذا المعنى.
(٢) سلف تخريجه قبل قليل.
(٣) الصَقيل: شحاذ السُّيوف وجلاؤها. اللسان (صقل).
(٤) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٣/ ١٩٢، وأحمد في الزهد (٥٦٨)، وابن زنجوية في الأموال (٩٨٥)، وأبو نعيم في فضائل الخلفاء الراشدين (١٩٩) من طريق عبيد الله بن عمر، به.

<<  <  ج: ص:  >  >>