للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدَّثنا عبدُ الوارثِ بنُ سفيانَ، قال: حدَّثنا قاسِمُ بنُ أصبغَ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ السلام، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ بشَّارٍ، قال: حدَّثنا يحيى بنُ سعيدٍ القطَّانُ، عن حسينٍ المُعَلِّم، عن عمرِو بنِ شعيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قال: لما فُتِحَت مكةُ على عهدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قام رجلٌ فقال: إنَّ فُلانًا ابني. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا دِعْوةَ في الإسلام (١)، ذهَب أمْرُ الجاهليَّةِ، الولَدُ للفِراشِ، وللعاهِرِ الأثلَبُ". قالوا: وما الأثلبُ؟ قال: "الحجَرُ" (٢).

قال أبو عُمر: في هذا الحديثِ وجُوهٌ مِن الفقهِ، وأُصولٌ جِسامٌ؛ منها: الحُكْمُ بالظاهِرِ؛ لأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حكَم بالولَدِ للفِرَاشِ على ظاهِر حُكْمِه وسُنتِه (٣)، ولم يَلْتَفِتْ إلى الشَّبَه، وكذلك حَكَمَ في اللِّعان بظاهِرِ الحُكْم، ولم يَلْتفِتْ إلى ما جاءَتْ به بعدَ قولِه: "إن جاءَتْ بهِ كذا، فهو للذي رُمِيَتْ به". فجاءَتْ به على النَّعْتِ المكْرُوهِ (٤). ومن ذلك قولُه عليه السلامُ: "فأقضي له على نحوِ ما أسْمعُ منه" (٥).

وفي هذا الحديثِ دليلٌ على ما كان عليه أهلُ الجاهِليَّةِ مِن استِلحاقِ أولادِ الزنى، وقد كان عمرُ بنُ الخطابِ رضي اللهُ عنه يُلِيطُ أولادَ الجاهليَّةِ (٦) بمَن ادَّعَاهم


(١) قوله: "لا دِعوةَ في الإسلام" الدِّعوة، بكسر الدال: ادِّعاء الولد، أي: لا دعوى نَسَب. ينظر: معالم السُّنن للخطابي ٣/ ٢٨٠، وعون المعبود للعظيم آبادي ٦/ ٢٦٣.
(٢) أخرجه أحمد في المسند ١١/ ٢٦٤ (٦٦٨١) عن يحيى بن سعيد القطان، به. وأخرجه أبو داود (٢٢٧٤) من طريق حسين بن ذكوان المعلّم، به. وإسناده صحيح.
(٣) في ج: "وسننه".
(٤) سلف تخريجه في سياق شرح حديث ابن شهاب الزُّهري عن السائب بن يزيد في موضعه.
(٥) أخرجه مالكٌ في الموطأ ٢/ ٢٥٩ (٢١٠٣) عن هشام بن عروة عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة زوج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. وسيأتي تمام تخريجه مع مزيد كلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٦) أي: يُلحقهم بآبائهم. ينظر: أساس البلاغة للزمخشري ٢/ ١٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>