للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه الآثارُ كلُّها تدلُّ على أنَّه لم يُعنَ به سبعُ لُغَاتٍ، واللّهُ أعلمُ، على ما تقدَّمَ ذكرُنا له، وإنَّما هي أوجُهٌ تتَّفقُ معانيها، وتتَّسعُ ضُروبُ الألفاظِ فيها، إلَّا أنَّه ليس منها ما يُخالِفُ معنًى إلى ضدِّهِ، كالرَّحمةِ بالعَذابِ وشبهِه.

وذكر يعقوبُ بنُ شيبةَ، قال: حدَّثنا يحيى بنُ أبي بُكيرٍ، قال: حدَّثنا شيبانُ بنُ عبدِ الرحمنِ أبو مُعاويةَ، عن عاصمِ بنِ أبي النَّجودِ، عن زرٍّ، عن عبدِ الله، قال: أتَيْتُ المسْجِدَ فجلَسْتُ إلى ناسٍ، وجلسوا إليَّ، فاستقرأتُ رجُلًا منهم سُورةً ما هي إلَّا ثلاثونَ آيةً، وهي "حم؛ الأحقافُ"، فإذا هو يقرأُ فيها حُروفًا لا أقرؤُها، فقلتُ: من أقرأكَ؟ قال: أقرَأني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -. فاستقرأتُ آخرَ، فإذا هو يقرأُ حروفًا لا أقرؤُها أنا ولا صاحبُه، فقلتُ: مَن أقرأكَ؟ قال: أقْرَأني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، قلتُ: وأنا أقرأني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وما أنا بمُفارقِكما حتى أذهبَ بكما إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. فانطلَقْتُ بهما حتى أتَيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وعندَه عليٌّ، فقلتُ: يا رسولَ الله، إنَّا اختلفْنا في قراءتنا. قال: فتَمَعَّرَ وجهُه حينَ ذكرْتُ الاختلافَ وقال: "إنَّما أهلكَ مَن كان قبلَكم الاختلافُ". وقال عليٌّ: إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -


= وهو وإن كان له حديث في الصحيحين، إلّا أن البخاريّ ومسلمًا إنما أخرجا له ممّا تُوبع عليه في صحيحيهما، فقد انتقيا من حديثه الصحيح المثبت في أصوله، فقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح ١/ ٣٩١: "وروينا في مناقب البخاري بسندٍ صحيح أنّ إسماعيل أخرج له أصوله وأذن له أن ينتقي منها وأن يُعلم له على ما يُحدِّث به ليحدِّث به ويُعرض عمّا سواه، وهو مُشعِرٌ بأنّ ما أخرجه البخاريُّ عنه هو من صحيح حديثه؛ لأنه كتب من أصوله؛ وعلى هذا لا يُحتجُّ بشيءٍ من حديثه غير ما في الصحيح من أجل مما قَدَح فيه النسائيُّ وغيرُه إلّا إن شاركه فيه غيره فيُعتبر فيه".
قال بشار: قد أثبتنا ذلك في دراسة علميّة قام بها تلميذنا الأستاذ هيثم عبد الغفور، بعنوان: "إسماعيل بن أبي أويس ومروياته في صحيح البخاري" نشرتها دار الآثار الشرقية بعمّان، ٢٠١١ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>