للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: هذا وجْهٌ حسن من وُجُوهِ معنَى هذا الحديثِ، وفي كُلِّ وجْهٍ منها حُروفٌ كثيرةٌ لا تُحصَى عددًا، فمثلُ قولِه: {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ}، و: (الصُّوفِ المنْفُوشِ)، قراءةُ عُمرَ: (فامْضُوا إلى ذكرِ الله)، وهو كثير. ومثلُ قولِه: (نعجةً أُنثَى)، قراءةُ ابنِ مسعودٍ وغيرِه: (فلا جُناحَ عليه ألَّا يطَّوَّفَ بهما) (١)، وقراءةُ أُبيِّ بنِ كعبٍ: (فجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كأنْ لم تَغْنَ بالأمسِ ومَا أهلكنَاها إلَّا بذنوبِ أهلِها) (٢)، وهذا كثير أيضًا.

وهذا يَدُلُّ (٣) على قولِ العلماءِ أنْ ليس بأيدِي الناسِ من الحروفِ السبعةِ التي نزَل القرآنُ عليها إلَّا حرفٌ واحدٌ، وهو صُورةُ مُصحفِ عثمانَ، وما دخلَ فيه ممَّا يُوافِقُ صُورتَه من الحركاتِ، واختلافِ النَّقْطِ، من سائرِ الحروف.

وأمَّا قولُه: (كالصُّوفِ المنفُوشِ) فقراءةُ سعيدِ بنِ جُبيرٍ وغيرِه، وهو مشهورٌ عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، ورُوِيَ عنه من طُرقٍ شتَّى، منها ما روَاه بُندارٌ، عن يحيى القطَّانِ، عن خالدِ بنِ أبي (٤) عثمانَ، قال: سمِعتُ سعيدَ بنَ جُبيرٍ يقرأُ: (كالصُّوفِ المنفُوش) (٥).


(١) وزاد نسبتها القرطبي في تفسيره ٢/ ١٨٢ لأُبيّ وأنس - رضي الله عنهما -، وردّها لمخالفتها ما في المصحف، ومن قبله قال ابن عطية: "وهي قراءة خالفت مصاحف الإسلام، وقد أنكرتها عائشة - رضي الله عنها - في قولها لعروة حين قال لها: فما نرى على أحدٍ شيئًا ألّا يطوَّف بهما، قالت: كلّا لو كان ذلك لقال: فلا جناح عليه ألّا يطوَّف بهما". وخبر عائشة في هذا في الصحيحين، البخاري (١٧٩٠)، ومسلم (١٢٧٧) من حديث عروة عنها. ينظر المحرر الوجيز لابن عطية ١/ ٢٣٠.
(٢) رويت عن أُبيٍّ - رضي الله عنه - بأسانيد ضعيفة كما في فضائل القرآن لأبي عُبيد، ص ٣٠١، وتفسير ابن جرير ١٥/ ٥٧، ٩٦، وذكرها ابن كثير في تفسيره ٧/ ٣٥٢ وقال: قراءة غريبة، وكأنّها زِيْدت للتصغير.
(٣) في م: "يدلك"، والمثبت من الأصل.
(٤) "أبي" سقطت من الأصل، وسيأتي على الصواب عنده بعد أسطر.
(٥) أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلّام في فضائل القرآن، ص ٣١٨ عن عبد الرحمن بن مهدي عن خالد بن أبي عثمان الأموي، به. وإسناده إلى ابن جُبير صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>