للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي ترجيلِ عائشةَ شعرَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مُعتكفٌ دليلٌ على أنَّ اليدين من المرأةِ ليستَا بعورةٍ، ولو كانتَا عورةً ما باشرتْه بهما في اعتكافِه، ويدُلُّكَ على ذلك أيضًا أنَّها تُنهَى في الإحرام عن لباسِ القُفَّازينِ، وتؤمرُ بسترِ ما عدَا وجهَها وكفَّيْها، وتؤمرُ بكشفِ الوجْهِ والكفَّين في الصَّلاةِ، فدلَّ على أنَّهما غيرُ عورةٍ منها، وهو عندَنا أصحُّ ما قيلَ في ذلك، وقد مضَى القولُ في معنَى العورةِ من الرِّجالِ والنِّساءِ في بابِ ابنِ شهابٍ، عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ، والحمدُ لله (١).

وفي هذا الحديثِ أيضًا دليلٌ على أنَّ الحائضَ طاهرةٌ غيرُ نجسةٍ، إلَّا في موضع النَّجاسةِ منها، ويوضِّحُ لكَ ذلك قولُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لعائشةَ: "ناوليني الخُمرةَ". فقالت: إنِّي حائضٌ. فقال: "إنَّ حيضتَكِ ليسَتْ في يدِكِ" (٢).

فدلَّ قولُه هذا على أنَّ كُلَّ موضع منها ليس فيه الحيضةُ فهو كما كان قبلَ الحيضةِ، وأنَّها مُتعبِّدةٌ في اجتنابِ ما أُمرَتْ باجتنابِه، وفي ترجيلها رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وخدمتِها له وهي حائضٌ يدُلُّ على ذلك.

وفي هذا كُلِّه إبطالُ قولِ مَن كرِهَ سُؤرَ الحائضِ والجُنُبِ. وفي حديثِ شريح بنِ هانئ، عن عائشةَ: كنتُ أشربُ وأنا حائضٌ وأناولُه رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فيضعُ فَاهُ على موضع فمِي، وآخذُ العَرْقَ (٣) فأعَضُّه، فيضعُ فمَه على موضع فمِي (٤).


(١) سلف في الحديث السادس له عن ابن المسيِّب.
(٢) سلف تخريجه في سياق شرح الحديث السابع من مرسل ربيعة بن عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها.
(٣) العَرْقُ: العظم الذي يؤخذ عنه اللحم فيبقى عليه بقيَّةٌ منه. ينظر: كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي ٢/ ٣٢٣.
(٤) أخرجه الحميدي في مسنده (١٦٦)، وأحمد في المسند ٤٠/ ٣٨٤ (٢٤٣٢٨) و ٤٠/ ٤٠٨ (٢٤٣٥٠)، ومسلم (٣٠٠) من طرقٍ عن المقدام بن شريح بن هانئ، عن أبيه، عنها رضي الله عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>