للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمر: معنَى الاعتكافِ في كلام العربِ الإقامةُ على الشيء، والمواظبةُ عليه، والملازمةُ له، وهذا معنَى العكوفِ والاعتكافِ في اللِّسان.

وأمَّا في الشَّريعةِ فمعنَاه الإقامةُ على الطَّاعةِ وعملِ البرِّ، على حسَبِ ما ورَد من سُننِ الاعتكافِ؛ فممَّا أجمَع عليه العلماءُ من ذلك أنَّ الاعتكافَ لا يكونُ إلَّا في مسجدٍ؛ لقولِ الله عزَّ وجلَّ: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧]. إلَّا أنَّهم اختلفوا في المرادِ بذكرِ المساجدِ في الآيةِ المذكورةِ؛ فذهبَ قومٌ إلى أنَّ الآيةَ خرَجتْ على نوع من المساجدِ، وإنْ كان لفظُها العمومَ، فقالوا: لا اعتكافَ إلَّا في مسجدِ نبيٍّ؛ كالمسجدِ الحرام، أو مسجدِ الرَّسولِ، أو مسجدِ بيْتِ المقدسِ لا غيرُ. ورُوِي هذا القولُ عن حُذيفةَ بنِ اليمانِ، وسعيدِ بنِ المسيِّبِ (١)، ومِن حُجَّتِهم أنَّ الآيةَ نزَلتْ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو مُعتكفٌ في مسجدِه، فكان المقصدُ والإشارةُ إلى نوع ذلك المسجدِ؛ في ما بنَاهُ نبيٌّ.

وقال آخرون: لا اعتكافَ إلَّا في مسجدٍ تُجمَّعُ فيه الجمعةُ. لأنَّ الإشارةَ في الآيةِ عندَهم إلى ذلك الجنسِ من المساجدِ، رُويَ هذا القولُ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ، وابنِ مسعودٍ، وهو قولُ عروةَ، والحكم، وحمَّادٍ، والزُّهريِّ، وأبي جعفرٍ محمدِ بنِ عليٍّ، وهو أحدُ قوليْ مالكٍ (٢).

وقال آخرون: الاعتكافُ في كلِّ مسجدٍ جائزٌ. رُويَ هذا القولُ عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، وأبي قلابةَ، هابرهيمَ النَّخعيِّ، وهمَّام بنِ الحارثِ، وأبي سلمَةَ بنِ


(١) ينظر: المصنَّف لعبد الرزاق ٤/ ٣٤٦ - ٣٤٨ (٨٠٠٨ - ٨٠١٧)، ولابن أبي شيبة في (باب من قال: لا اعتكاف إلّا في مسجد يُجمع فيه) (٩٧٦٢ - ٩٧٦٩)، والمحلّى لابن حزم ٥/ ١٩٤ - ١٩٥، والسنن الكبرى للبيهقي ٤/ ٣١٦.
(٢) ينظر: المصنَّف لعبد الرزاق ٤/ ٣٤٦ (٨٠٠٩) و (٨٠١٠) و ٤/ ٣٤٧ (٨٠١٥) و ٤/ ٣٤٨ (٨٠١٧)، ولابن أبي شيبة في الباب المذكور في التعليق السابق. وينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>