للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم آتِه، فعادَ، ثم عادَ، فأتيتُه، فقال: ما منعكَ أنْ تأتيَنا؟ قلتُ: إنِّي كنتُ مُعتكفًا. قال: وما عليك! إنَّ المعتكفَ يشهَدُ الجمعةَ، ويعودُ المرضَى، ويمشِي مع الجنازةِ، ويُجيبُ الإمامَ (١).

قال أبو عُمر: أجمَع العلماءُ أنَّ المعتكفَ لا يُباشرُ ولا يُقبِّلُ، واختلفوا فيما عليه إن فعَل ذلك؛ فقال مالكٌ والشافعيُّ: إنْ فعَل شيئًا من ذلك فسَد اعتكافُه. قال المزنيُّ (٢): وقال في موضع آخرَ من مسائلِ الاعتكافِ: لا يُفسدُ الاعتكافَ من الوطءِ إلَّا ما يُوجبُ الحدَّ. واختارَه المزنيُّ قياسًا على أصلِه في الصَّوم والحجِّ.

وقال أبو حنيفةَ: إنْ فعَلَ فأنزَلَ بطَل اعتكافُه (٣).

وأجمعوا أنَّ المعتكفَ لا يدخُلُ بيتًا، ولا يستظلُّ بسقفٍ، إلَّا في المسجدِ الذي يعتكفُ فيه، أو يدخُلُ لحاجةِ الإنسانِ، أو ما كان مثلَ ترجيلِه - صلى الله عليه وسلم - (٤).

ومسائلُ الاعتكافِ ونَوازلها (٥) يطولُ ذكرُها، ويقصُرُ الكتابُ عن تقصِّي أقاويلِ العلماءِ فيها، والاعتلالِ لها. وقد ذكَرْنا من ذلك ما في معنَى حديثِنا، وذكَرْنا الأصولَ التي عليها مدارُ الاعتكافِ، وسنذكرُ حُكمَ الاعتكافِ بصوم وبغيرِ صوم، واختلافَ العلماءِ في ذلك، عندَ ذكرِ حديثِ ابنِ شهابٍ عن عمرةَ من هذا الكتابِ، على ما رواه يحيى عن مالك في ذلك (٦)، إن شاء اللهُ، وبالله التوفيق.


(١) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (٩٧٢٧) عن عليّ بن مسهر الكوفي عن أبي إسحاق الشيباني - وهو سليمان بن أبي سليمان الكوفي - به. وأخرجه ابن حزم في المحلّى ٥/ ١٩٠ من طريق سعيد بن منصور عن هشيم بن بشير، عن أبي إسحاق الشيباني، به.
(٢) في مختصره ٨/ ١٥٧، وينظر: الأم للشافعي ٢/ ١١٦.
(٣) ينظر: الأصل المعروف بالمبسوط لمحمد بن الحسن الشيباني ٢/ ٢٨٠.
(٤) ينظر: مراتب الإجماع لابن حزم، ص ٤١.
(٥) في م: "ونوازله"، والمثبت من الأصل ويعضده ما بعده.
(٦) في الموطأ ١/ ٤٢٤ (٨٨٠)، وسيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>