للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلُّه عندَ من قال هذا القولَ فِرارًا من الدعاءِ على عائشةَ، وأنَّ ذلك عندَه غيرُ مُمكنٍ من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لها.

وأنكر أكثرُ أهلِ العلم باللغةِ والمعاني أن تكونَ هذه اللَّفظةُ بمعنَى الاستغناءِ، وقالوا: لو كان بمَعْنَى الاستغناءِ لكان: أُتْرِبَت يَمِينُكِ؛ لأنَّ الفعلَ منه رُباعِيٌّ، تقولُ: أتْرَبَ الرَّجُلُ: إذا استَغنَى، وتَربَ: إذا افْتَقَرَ. وقالوا: معنَى هذا: افْتَقَرَتْ يَمِينُكِ من العِلم بما سألتْ عنه أُمُّ سُلَيْم. ونحوُ هذا.

قال أبو عُمر: أمَّا: "تَرِبَتْ يَمِينُكِ". فمن دُعاءِ العرَبِ بعضِهم على بعض مَعْلُومٌ؛ مثلَ: قاتَلَه اللهُ، وهَوَتْ أُمُّه، وثكِلَتْكَ أُمُّكَ، وعَقْرَى حَلْقَى (١)، ونحوَ ذلك.

وأمَّا الشَّبَهُ ففيه لُغتانِ؛ إحداهُما، كسْرُ الشِّينِ وتَسكينُ الباءِ، والثانيةُ فتحُ الشِّينِ والباءِ جميعًا، مثلَ المِثْلِ والمَثَلِ، والقِتْبِ والقَتَبِ.

[آخر المجلد الخامس من هذه الطبعة المحققة، نسأل الله في علاه تيسير إتمامه].


= وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ويل أمِّه" قال القاضي عياض في المشارق ٢/ ٣٥٤: "ضبطه الأصيلي بالضمِّ، وقد قيَّدناه عن شيوخنا بالفتح".
بينما قيَّده الحافظ ابن حجر في الفتح ٥/ ٣٥٠ كما في رواية الأصيلي فقال: "بضمِّ اللام ووَصْل الهمزة وكسر الميم المشدَّدة، وهي كلمة ذمٍّ تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذمِّ".
وكذا قيَّدها العينيُّ في عمدة القاري ١٤/ ١٥ وأضاف: "واستعمل هنا للتعجُّب من إقدامه في الحرب، والإيقاد لنارها وسُرعة النهوض لها" وقال: "ويروى (ويلَمِّه) بحذف الهمزة تخفيفًا، وهو منصوبٌ على أنه مفعول مطلق، أو هو مرفوعٌ على أنه خبرُ مبتدأ محذوفٌ، أي: هو ويلٌ لأُمِّه، وقال الجوهري: إذا أضفته فليس فيه إلّا النَّصبُ".
(١) أي: عمّرها الله في جسدها، وأصابها بوجع في حلقها، وهذا على مذهب العرب في الدُّعاء على الشيء من غير إرادةٍ لوقوعِه. قاله الأزهري نقلًا عن أبي عبيدٍ. ينظر: تهذيب اللغة ١/ ١٤٥.
وهذا اللفظ وقع في سياق حديث روته عائشة رضي الله عنها في قصّة صفيّة زوج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وقد حاضت في الطواف يوم النحر، أخرجه أحمد في المسند ٤٣/ ٥٩ (٢٥٨٧٥)، والبخاري (١٥٦١)، ومسلم (١٢١١) من حديث الأسود بن يزيد عنها من قول النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <  ج: ص:  >  >>