للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واخْتُلِف في صِيامِه أيامَ التَّشْرِيقِ؛ إذ هي مِن أيام الحجِّ، فرَخَّص له خاصةً في ذلك قومٌ، وأبَى مِن ذلك آخرون، وسنَذْكُرُ ذلك إن شاء اللهُ. فهذا إجْماعٌ مِن أهلِ العِلْم قديمًا وحديثًا في المتعةِ والتَّمَتُّع المرادِ بقولِ الله عزَّ وجلَّ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ}. والمعنى - واللهُ أعلمُ - أنَّه تَمَتَّعَ بحِلِّه كلِّه، فحلَّ له النِّساءُ وغيرُ ذلك مما يَحرُمُ على المحرم، وسقَط عنه السَّفَرُ لحجِّه مِن بلدِه، وسقَط عنه الإحرامُ مِن مِيقاتِه في الحجِّ، وقد قال بعضُ أصحابِنا: إنَّما ذلك لسُقُوطِ السَّفَرِ خاصَّةً لا لتَمَتُّعِه بالحِلِّ، لأنَّ القارِنَ لم يَتَمَتَّعْ بحِلٍّ، وعليه دَمٌ.

والوَجْهُ العامُّ ما ذكَرْتُ لك مِن تَمَتُّعِه بحِلِّه، وسُقُوطِ سَفَرِه، وسُقُوطِ الإحْرامِ مِن مِيقَاتِه، فلذلك كلِّه وجَبَ الدَّمُ عليه، إذْ حصلَ حاجًّا ولم يُحْرِمْ بحَجِّه ذلك مِن مِيقاتِ أهْلِ ناحيتِه، ولا شَخَص لذلك الحجِّ (١) مِن مَوْضِعهِ بعدَ أنْ حَصَل مُحْرِمًا في أشْهُرِ الحَجِّ وزمانِه وحَجَّ مِن عامِه. فهذه العِلَّةُ الموجِبةُ عليه الدَّمَ. واللهُ علم.

فإن اعْتَمَر في أشْهُرِ الحجِّ، ثم رجَع إلى بَلَدِه ومَنْزِلِه، ثم حَجَّ مِن عامِه ذلك، فليس بمُتَمَتِّع، ولا هَدْيَ عليه ولا صِيامَ عندَ جماعةِ العلماءِ أيضًا، إلَّا الحسنَ البصريِّ، فإنَّه قال: عليه هَدْيٌ، حَجَّ أو لم يَحُجَّ. قال: لأنَّه كان يقالُ: عمرةٌ في أشهرِ الحجِّ مُتْعَةٌ.

وروَى سعيدُ بنُ أبي عَرُوبَةَ (٢)، عن قتادةَ، عن سعيدِ بنِ المسَيِّبِ، قال: كان أصحابُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَعْتَمِرونَ في أشهرِ الحَجِّ ثم يَرْجِعون ولا يُهْدُون.


(١) أي: ولا سار له، والشُّخوص: السَّيرُ من بلدٍ إلى بلد والذهاب إليه. اللسان (شخص).
(٢) في المناسك له (١٥٤)، وإسناده إلى ابن المسيِّب صحيح. قتادة: هو ابن دعامة السدوسيّ.
وهو عند ابن أبي شيبة في المصنَّف (١٣١٧١) عن وكيع بن الجرّاح، عن هشام الدَّستوائيّ، عن قتادة، به مختصرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>