للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ المدينةِ، إلَّا ما حُكِي عن أبي المَليح (١)، أنَّ عمرَ اسْتَخْلَفَ خالًا له مرَّةً واحدةً على المدينة يقالُ له: عبدُ الله. وأمَّا عُمَّالُه في أقطارِ الأرضِ فكثير، وكان يَعْزِلُ ويُولِّي كثيرًا، لا حاجَةَ بنا إلى ذكْرِهم هاهنا، وإنَّما ذكرنا هذا لما في الحديثِ مِن ذكْرِ أُمراءِ الأجْنَادِ؛ أبي عُبيدَةَ وأصحابِه.

وفيه: دليلٌ على إباحةِ العملِ والولاية، وأنْ لا بأسَ بها للصَّالحينَ والعلماء، إذا كان الخليفَةُ فاضِلًا عالمًا، يأْمُرُ بالحقِّ ويعدِل.

وفيه (٢): دليل على استعمالِ مَشُورَةِ مَن يُوثَقُ بفَهْمِه وعَقْلِه عندَ نُزُولِ الأمرِ المعضِل.

وفيه: دليلٌ على أنَّ المسألةَ إذا كان سبيلُها الاجتهادَ، ووقَع فيها الاختِلافُ، لم يجُزْ لأحَدِ القائِلينَ فيها عَيْبُ مخُالِفِه، ولا الطَّعْنُ عليه، ألا تَرَى أنهم اختَلَفوا، وهم القُدوَةُ، فلم يعِبْ أحَدٌ منهم على صاحبِه اجتِهادَه، ولا وجَدَ عليه في نَفْسِه؟ إلى الله الشَّكْوَى وهو المستعانُ، على أُمَّةٍ نحن بينَ أظْهُرِها، تَسْتَحِلُّ الأعرَاضَ والدماء، إذا خُولِفَتْ فيما تجيءُ به مِن الخطأ.

وفيه: دليلٌ على أنَّ المجتهِدَ إذا قادَه اجتِهادُه إلى شيءٍ خالفَه فيه صاحِبُه، لم يَجُزْ له الميلُ إلى قولِ صاحِبه إذا لم يَبِنْ له موضِعُ (٣) الصَّوابِ فيه، ولا قام له الدليلُ عليه.

وفيه: دليلٌ على أنَّ الإمامَ والحاكِمَ إذا نزَلت به نازلَةٌ لا أصلَ لها في الكِتابِ ولا في السُّنَّةِ، كان عليه أن يجمَعَ العلماءَ وذَوي الرَّأي ويُشاوِرَهم، فإن لم يأْتِ واحِدٌ منهم بدليلِ كتابٍ ولا سُنَّةٍ غيرَ اجتِهادِه، كان عليه الميلُ إلى الأصلَح، والأخْذُ بما يَرَاه.


(١) وهو أبو المليح بن أسامة الهُذلي، في رواية عُبيد الله بن أبي حُميد عنه كما في تاريخ خليفة بن خيّاط، ص ١٥٤.
(٢) هذه الفقرة لم ترد في الأصل، وهي ثابتة في ف ٢، ج.
(٣) في ف ٢: "موقع"، وهو بمعنًى.

<<  <  ج: ص:  >  >>