للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه: دليلٌ على أنَّ الاختِلافَ لا يُوجِبُ حُكمًا، وإنَّما يوجِبُ النَّظَر، وأنَّ الإجماعَ يُوجِبُ الحُكمَ والعمَلَ.

وفيه: دليلٌ على إثباتِ المناظَرَةِ والمجادلةِ عندَ الخِلافِ في النَّوَازِلِ والأحْكام، ألا تَرَى إلى قولِ أبي عُبيدةَ لعمرَ رحِمَهما اللهُ تعالى: "تَفِرُّ مِن قَدَرِ الله؟ فقال: نعم، نفِرُّ مِن قَدَرِ الله إلى قَدَرِ الله. ثم قال له: أرَأيتَ؟ " فقايَسَه وناظَرَه بما يُشْبِهُ في مسألتِه.

وفيه: دليلٌ على أنَّ الاخْتِلافَ إذا نزَلَ، وقامَ الحجَاجُ، فالحُجَّةُ والفَلْجُ (١) بيَدِ مَن أدْلى بالسُّنةِ، إذا لم يكنْ مِن الكتابِ نَصٌّ لا يُختَلَفُ في تَأويله. وبهذا أمَرَ اللهُ عبادَه عندَ التنازُع، أن يَرُدُّوا ما تَنازَعُوا فيه إلى كتابِ الله وسنةِ نَبِيِّه - صلى الله عليه وسلم -، فمن كان عندَه فيه عِلْمٌ (٢)، وجَبَ الانقيادُ إليه.

وفيه: دليلٌ على أنَّ الحديثَ يُسَمَّى عِلْمًا، ويُطْلَقُ ذلك عليه، ألا ترَى إلى قولِ عبدِ الرحمنِ بنِ عوف: عندي مِن هذا عِلْمٌ؟

وفيه: دليلٌ على أنَّ الخلْقَ يَجرُونَ في قَدَرِ الله وعِلْمِه، وأنَّ أحدًا منهم أو شيئًا لا يخرُجُ عن حُكمِه وإرادَتِه ومَشِيئَتِه، لا شريكَ له.

وفيه: أنَّ العالم قد يُوجَدُ عندَ مَن هو في العِلْم دُونَه ما لا يُوجَدُ منه عندَه؛ لأنَّه معْلُومٌ أنَّ مَوْضِعَ عمرَ مِن العِلْم، ومكانَه مِن الفهم، ودُنُوَّه مِن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في المدْخَلِ والمخْرَج، فوقَ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ، وقد كان في هذا البابِ عندَ عبدِ الرحمنِ عنه عليه السَّلامُ ما لم يكنْ عند عمرَ (٣). وهذا واضِحٌ يُغني عن القولِ فيه. وقد جَهِل محمدُ بنُ سيرينَ حديثَ رُجوع عمرَ مِن أجْلِ الطَّاعُون.


(١) الفَلْجُ: الظَّفَر والفوزُ. الصحاح (فلج).
(٢) في بقية النسخ، "من ذلك علم"، والمثبت من الأصل.
(٣) في ف ٢: "ما جهله عمر"، وهو بمعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>