للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واختلفوا في الزيتِ تقَعُ فيه الميتةُ، بعدَ إجماعِهم على نجاسَتِه، هل يُسْتَصْبَحُ به، وهل يُباعُ ويُنتَفَعُ به في غيرِ الأكْلِ؟ فقالت طائِفَةٌ من العلماء: لا يُسْتَصْبَحُ به، ولا يُبَاعُ، ولا يُنتَفَعُ بشيءٍ منه. وممن قال ذلك منهم؛ الحسنُ بنُ صالح، وأحمدُ بنُ حنبلٍ (١). ومن حُجَّةِ من ذهب هذا المذهبَ قولُه - صلى الله عليه وسلم - في السمنِ تقَعُ فيه الفأرَةُ: "خُذُوها وما حولَها فألقُوه، وإن كان مائعًا فلا تقرَبُوه". قالوا: فلما أمَرَ بإلقاء الجامِدِ، وحَكَم له بحكم الفأر الميِّتة، وجب أن يُلْقَى أبدًا، ولا يُنتَفَعَ به في شيءٍ، كما لا يُنتَفَعُ بالفأرَةِ، ولو كان بينَهما فَرْقٌ لَبيَّنه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولما أمَرَ بإلقاء شيءٍ يُمكنُ الانتفاعُ به. قالوا: وكذلك المائِعُ يُلْقَى أيضًا كلُّه، ولا يُقْرَبُ، ولا يُنتَفَعُ بشيءٍ منه، هذا لو لم يكن في المائِع نَصٌّ، فكيف وقد قال عبدُ الرزاقِ في هذا الحديثِ: "وإن كان مائعًا فلا تَقْرَبُوه" (٢)؟

واحتَجُّوا أيضًا بعُمُوم تحريم الميْتَة في الكتابِ والسنةِ، فمِن ذلك ما حدَّثنا عبدُ الوارِثِ بنُ سفيانَ، قال: حدَّثنا قاسِمُ بنُ أصبغَ، قال: حدَّثنا مُطَّلِبُ بنُ شُعَيبٍ، قال: حدَّثنا عبدُ الله بنُ صالح، قال: حدَّثني الليثُ، عن يزيدَ بنِ أبي حَبِيبٍ، قال: قال عطاءُ بنُ أبي رباح: سمِعتُ جابرَ بنَ عبدٍ الله يقولُ: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عامَ الفتح بمكةَ: "إنَّ اللهَ ورسولَه حرَّمَ بيعَ الخمرِ، والميْتَةِ، والخنزيرِ والأصنام"، قيل له: يا رسولَ الله، أرأيْتَ شحومَ الميْتَةِ، فإنه يُدْهَنُ بها السُّفُنُ والجلُودُ، ويَسْتَصْبحُ بها


(١) ذكر الطَّحاوي هذا القول في مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٩١ عن الحسن بن حيٍّ فقط، أما أحمد فقد روى الكوسج عنه في مسائله ٢/ ٣٧٢ أنَّه أجاز الاستصباح به، ومنع البيع.
(٢) سبق القول بأنَّ هذه اللفظة مرجوحة، وأن لفظة "فلا تأكلوه" رواها الأحفظ كما بين البيهقي والطحاوي وغيرهما، ولعل ترجيح ابن عبد البر لهذه الرِّواية فيه جنوح إلى ما ذهب إليه مالك من كراهة الانتفاع به ومنع بيعه كما في الأوسط لابن المنذر ٢/ ٢٨٩، وهذا يفسر نقل ابن أبي زيد القيرواني في النوادر والزيادات عن العُتبية، أن ابن القاسم قال عن مالك: يُستصبح بزيت الفأرة على تحفُّظ. (وينظر: البيان والتحصيل ١/ ١٧٠، والرسالة لابن أبي زيد، ص ٨١، ومواهب الجليل ١/ ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>