للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر ابنُ وَهْبٍ، عن ابن لهيعَةَ وحيوةَ بنِ شُرَيْح، عن خالدِ بنِ أبي عمرانَ، أنَّه قال: سألتُ القاسِمَ وسالمًا عن الزيتِ تموتُ فيه الفأرَةُ: هل يصلُحُ أن يؤكَلَ منه؟ فقالا: لا، قلتُ: أفيَبِيعُه؟ قالا: نعم، ثم كلُوا ثمَنَه، وبيِّنُوا لمن يشْتَرِيه ما وقَعَ فيه (١).

ومن حُجَّةِ من ذهَب إلى هذا المذهَبِ ما ذكره عبدُ الواحِدِ، عن مَعْمَرٍ، عن الزهريِّ، عن سعيدِ بنِ المسيِّب، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، في الفأرَةِ تقَعُ في السَّمْنِ، قال: "إن كان جامدًا فألقُوها وما حولَها، وإن كان مائعًا فاستصبِحُوا به وانتفِعُوا". قالوا: والبيعُ من بابِ الانتفاع.

قالوا: وأما قولُه في حديثِ عبدٍ الرزاقِ: "إن كان مائِعًا فلا تقرَبُوه". فإنه يحتَمِلُ أن يريدَ: لا تقرَبُوه للأكل.

قالوا: وقد أجرى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - التحريمَ في شُحُوم الميتَةِ في كلِّ وجْهٍ، ومَنَعَ من الانتِفاعَ بشيءٍ منها. وذكروا حديثَ يزيدَ (٢) بنِ أبي حبيبٍ، عن عطاءٍ، عن جابرٍ، المذكورَ.

قالوا: وأباح رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في السَّمْن تقَعُ فيه الميتَةُ، الانتِفَاعَ به، فدلَّ على جوازِ وجوهِ سائرِ الانتفاع غيرَ الأكل (٣). قالوا: والبيعُ من الانتِفاع.

قالوا: والنَّظَرُ يدُلُّ على ذلك؛ لأن شُحُومَ الميتَةِ محرَّمَةُ العينِ والذاتِ، وأما الزيتُ تقَعُ فيه الميَتَةُ، فإنما تَنَجَّسَ بالمجاوَرَةِ، وما تَنَجَّسَ مِنَ المجاوَرر فبَيْعُه جائزٌ؛ كالثَّوْبِ تُصِيبُه النجاسَةُ من الدَّم وغيرهِ. وفرَّقوا بينَه وبينَ أُمَّهاتِ الأولادِ، بأن الزيتَ النَّجِسَ تجوزُ هِبَتُه والصدقةُ به، وليس يجوزُ ذلك في أُمَّهاتِ الأولادِ.


(١) انظر: النوادر والزِّيادات لابن أبي زيد القيرواني ٤/ ٣٨٠.
(٢) في الأصل: "زيد"، خطأ بيّن.
(٣) انظر هذا التفصيل والاحتجاج عند الطَّحاوي شرح مشكل الآثار ١٣/ ٤٠١، ومختصر اختلاف العلماء ٣/ ٩٣ - ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>