للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: وما جاز تملُّكُه جاز البيعُ فيه.

قالوا: وأمَّا قولُه عليه الصلاةُ و السَّلامُ: "إن اللهَ إذا حرَّم أكْلَ شيءٍ حرَّمَ ثمَنَه". فإنَّما هو كلامٌ خرَجَ على شُحُوم الميتَةِ التي حَرُمَ أكْلُها، ولم يُبَح الانتِفاعُ بشيءٍ منها، وكذلك الخمرُ، والمعنَى في ذلك: أنَّ اللهَ تعالى إذا حرَّمَ أكلَ شيءٍ ولم يُبح الانْتِفاعَ به، حرَّمَ ثَمنَه، وأمَّا ما أباح الانتِفاعَ به، فليس مما عنَى بقوله: "إنَّ اللهَ إذا حرَّمَ أكلَ شيءٍ حَرَّمَ ثمنَه"، بدَليلِ إجماعِهم على بيع الهرِّ والفُهُودِ والسِّباع (١) المتَّخَذَةِ للصيدِ والحُمُرِ الأهلِيَّة. قالوا: وكلُّ ما يجوزُ الانتفاعُ به يجوزُ بيعُه.

قال أبو عُمر: أجاز بعضُ أصحابِنا - وهو عبدُ الله بنُ نافِع فيما ذُكِرَ عنه - غسْلَ البانِ تقَعُ فيه الميتَةُ (٢)، ومثلُه الزيتُ تقَعُ فيه الميتَةُ. وقد رُوِيَ عن مالكٍ أيضًا مثلُ ذلك، وذلك أن يَعْمِدَ إلى قِصَار (٣) ثلاثٍ أو أكثر، فيجعَلَ الزيتَ النجِسَ في واحِدةٍ منها حتى يكونَ نِصْفَها أو نحوَ ذلك، ثم يَصُبَّ عليها الماءَ حتى تَمْتَلئ، ثم يُؤْخَذَ الزيتُ من على الماء، ثم يُجعَلَ في أُخرى، ويُعمَلَ به كذلك، ثم في الثالثة، ويُعمَلَ به كذلك. حُكِيتْ لنا هذه الصِّفةُ في غَسْلِ الزَّيتِ عن محمدِ بنِ أحمدَ العُتْبيِّ، وهو قولٌ ليس لقائِلِه سَلَفٌ، ولا تَسْكُنُ إليه النَّفْسُ؛ لأنه لو كان جائزًا ما خَفِي على المتَقَدِّمِين، ولَعَمِلوا به، مع أنه لا يَصِحُّ غَسلُ ما لا يُرى عندَ أُولي النُّهَى (٤). وقد


(١) في هذا الإجماع نظر، إذ إنَّ بعض كتاب المالكية تخالفه فضلًا عمن سواهم، والاختلاف في بيع الهر خاصّة مشتهر بين علماء السَّلف.
(٢) ينظر: الكافي في فقه أهل المدينة ١/ ٤٤٠، والمقصود: غسل دهن البان، والبان شجر معروف. كما في المصباح المنير (بون).
(٣) كأنه جمع "قوصرة"، وهو وعاء معروف، وقد غيرها ناشر م إلى "قصاع" جمع قصعة.
(٤) وبهذا المعنى قال المؤلف في الكافي.

<<  <  ج: ص:  >  >>