للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُوِي عن عطَاء بنِ أبي ربَاح في شُحوم الميتةِ قولٌ لم يَقُلْه أحَدٌ من علماء المسلمينَ غيرُه فيما عَلِمتُ (١).

ذكرَ عبدُ الرزاق (٢)، عن ابنِ جُريج، قال: أخبرني عطاءٌ، قال: ذكروا أنه يُسْتثْقَبُ (٣) بشُحوم الميتةِ، وتُدْهَنُ به السُّفُنُ ولا يُمَسُّ، ولكن يؤخَذُ بعُودٍ. فقلت: فيُدْهَنُ به غيرُ السُّفُنِ؟ قال: لم أعلَمْ. قلت: وأينَ يُدهَنُ به من السُّفُنِ؟ قال: ظُهُورُها، ولا تُدْهَنُ بطُونُها. قلت: فلا بُدَّ أن يمَسَّ وَدَكَها بالمصباح، فتَنالَه اليَدُ، قال: فليَغْسِلْ يَدَه إذا مَسَّه (٤).

قال أبو عُمر: قولُ عطاءٍ هذا شُذُوذٌ وخُروجٌ عن تأويلِ العلماء، لا يَصِحُّ به أثرٌ، ولا مدخَلَ له في النظرِ؛ لأن اللهَ حرَّمَ الميتَةَ تحريمًا مُطلقًا، فصارَتْ نَجِسَةَ الذَّات، مُحرَّمَةَ العينِ، لا يجوزُ الانتِفاعُ بشيءٍ منها، إلا ما خَصَّتِ السنةُ من الإهابِ بعدَ الدِّباغ، ولا فرقَ بينَ الشَّحْم واللحم في قياسٍ ولا أثر. وقد رُوِي


(١) عطاء رحمه الله تعالى هو راوي حديث: "قاتل الله اليهود ... " السَّالف الذِّكر، وفيه تصريحٌ بتحريم شحوم الميتة، لذا فما نقل عنه في هذه المسألة يُخالف صريح ما روي، وما رواه منقولٌ في الصحيحين، وهذا الرأي فيما هو دونهما بكثير.
(٢) في المصنَّف (٢٠٨)، وأخرجه ابن المنذر في الأوسط ٢/ ٢٨٧.
(٣) قال الزَّبيدي في تاج العروس ٢/ ٩٨: "وتثقيب النار: تذكيتها، وفي المجاز: ثَقَب الكوكبُ ثُقُوبًا: أضاء، وشِهاب ثاقبٌ، أي مُضيءٌ ... وكذا السِّراج والنار، وثقبتهما وأثقبتهما" لذا معنى يستَثْقب: يستضيءُ.
(٤) وأخرج عبد الرَّزاق أيضًا في المصنَّف (٢٨٤) عن ابن جُريج، قال: قلت لعطاء: الفأرة تقع في الودَك الجامد أو غير الجامد؟ قال: بلغنا إن كان جامدًا أُخذ ما حولها فألقي وأكل ما بقي، قلت: فغير الجامد؟ قال: لم يبلغني فيه شيءٌ، ولكن أرى أن يُسْتَثقَب به ولا يؤكل.
وفي (٢٨٩) عن ابن جُريج، عن عطاء، قلت له: الفأرة تموت في السَّمن الذائب أو الدّهن فيوجد قد تسلّخت، أو يوجد قد ماتت وهي شديدة لم تسلّخ، قال: ماتت فيه، الدّهن يُنش (أي: يُخلط) ويُدهن به إن لم تقذر، قلت: فالسَّمن يُنشُّ فيسخن ثمَّ يؤكل؟ قال: ليس ما يؤكل كهيئة شيء في الرأس يُدهن به.

<<  <  ج: ص:  >  >>