للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا الحديثِ من الفِقْهِ: إباحَةُ السفرِ في رمضانَ، وفي ذلك رَدُّ قولِ من قال: ليس لمن ابتَدَأ صِيامَ رمضانَ في الحضَرِ أن يُسافِرَ فيُفْطِرَ؛ لقولِ الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٥]. ورَدُّ قولِ مَن قال: إنَّ المسَافِرَ في رمضانَ إنْ صامَ بعضَه في الحضَرِ لم يجُزْ له الفِطْرُ في سفرِه (١).

روى حمَّادُ بنُ سلمةَ، عن قتادةَ، عن محمدِ بنِ سِيرينَ، عن عَبِيد (٢)، عن عليٍّ رضِيَ اللهُ عنه، قال: من أدْرَكَه رمضانُ وهو مُقِيمٌ، ثم سافَرَ بعدُ، لزِمَه الصومُ؛ لأن اللهَ تعالى يقولُ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (٣)، وهو قولُ عَبيد وطائفَةٍ معه (٤). ورواه حمَّادُ بنُ زْيدٍ، عن أيُّوبَ، عن محمدٍ، عن عَبيدةَ قوله (٥).

وتأوَّلَ من ذهَبَ مذْهَبَ هؤلاء في قوله: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ}: من أدرَكَه رمضانُ وهو مُسافِرٌ. ففي الحديث ما يُبْطِلُ هذا القولَ كلَّه؛ لأن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سافَرَ في رمضانَ بعدَ أن صامَ بعْضَه في الحضرِ مُقِيمًا، وكان خُروجُه بعدَ مُدَّةٍ منه، قد ذكرناها وذكَرْنَا اختِلافَ الآثارِ فيها في بابِ حُميْدٍ الطويلِ (٦)، والحمدُ لله.


(١) ذكر ابن بطّال في شرح صحيح البخاري ٤/ ٨٦ أنَّ في حديث ابن عباس إباحةَ السّفر في رمضان والفطر فيه، وهو رادٌّ لما رُوي عن علي.
(٢) عَبيدة بن عمرو السَّلماني، أحد الفقهاء الأثبات: تحرير التقريب ٢/ ٤٢٥.
(٣) أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان ٣/ ٤٥٠ (٢٨٢٩) (تحقيق أحمد شاكر)، وابن أبي حاتم في التفسير ١/ ٣١٢ (١٦٥٦) كلاهما من طرق عن حماد، به.
(٤) منهم: إبراهيم النخعي وأبو البختري كما عند الطَّبري في جامع البيان ٣/ ٤٥٠ - ٤٥١.
وأبو مجلز كما عند ابن أبي شيبة في المصنَّف (٩٠٩٣)، وعلي بن الحسين (٩١٠٠). وذكر ابن أبي حاتم في التفسير ١/ ٣١٢ عددًا منهم.
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنَّف (٩٠٩٢)، عن أيوب، به. والطَّبري في جامع البيان ٣/ ٤٥٠ (٢٨٣٠) عن هناد بن السَّرِيّ، عن عبد الرحمن، عن إسماعيل بن مسلم، عن ابن سيرين، به.
(٦) باب الحاء، الحديث الأول لمالك عن حُميد الطّويل في هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>