للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما نُسِخ خَطُّه وثَبَت حُكْمُه، وقد أجمعوا أنَّ من القرآنِ ما نُسِخ حُكْمُه وثبَت خَطُّه (١)، وهذا في القياس مثلُه. وقد ذكرنا وجوهَ نسخ القرآن، في بابِ زيدِ بنِ أسلمَ، من كتابِنا هذا (٢)، فأغْنَى ذلك عن ذِكْرِه هاهنا.

ومن ذهَب هذا المذهبَ احْتَجَّ بقولِ عمرَ بنِ الخطابِ: الرجمُ في كتابِ الله حَقٌّ على من زنَى من الرجالِ والنساء إذا أحْصن (٣). وقوله: لولا أن يُقالَ: إنَّ عمرَ زادَ في كتابِ الله لكتَبتُها: (الشيخُ والشيخةُ إذا زَنَيا فارجمُوهما البتَّة)، فإنَّا قد قَرَأناها (٤). وسنُبيِّنُ ما لأهلِ العِلْم من التَّأويلِ في قولِ عمرَ هذا بما يجِبُ، في بابِ يحيى بنِ سعيدٍ، من كتابِنا هذا إن شاء الله (٥).

ومن حُجَّتِه أيضًا: ظاهرُ هذا الحديثِ قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيدِه، لأقْضِيَنَّ بينكما بكتابِ الله". ثم قال لأُنيسٍ الأسْلَميِّ: "إن اعْتَرفتِ امرأةُ هذا فارجُمها"، فاعْتَرفتْ، فرجَمها. وأهلُ السنةِ والجماعةِ مجمِعُون على أنَّ الرجمَ من حُكْم الله عزَّ وجلَّ على من أحْصَن (٦).

والقولُ الآخَرُ، أنَّ معنَى قولِه عليه السلامُ: "لأقضِيَنَّ (٧) بينكما بكتابِ الله عزَّ وجَلَّ"، أي: لأحكُمَنَّ بينكما بحُكم الله، ولأقضِيَنَّ بينكما بقضاءِ الله. وهذا


(١) السُّيوطي في الإتقان في علوم القرآن ٢/ ٢١.
(٢) الحديث الحادي والعشرون لزيد بن أسلم.
(٣) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٣٨٤ (٢٣٨١).
وأخرجه البخاري في الصحيح (٦٨٢٩)، ومسلم في الصحيح (١٦٩١)، من طرق عن ابن شهاب.
(٤) أخرجه مالك في الموطأ (٢٣٨٣).
(٥) في الحديث الأول ليحيى بن سعيد في آخر هذا الكتاب.
(٦) الإجماع لابن المنذر، ص ١٤٢ (٦٣٢).
(٧) قفز نظر ناسخ الأصل من هذه اللفظة إلى مثيلتها الآتية فسقط ما بينهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>