للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جائِزٌ في اللغةِ، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٤]. أي: حُكمُه فيكم، وقضاؤُه عليكم (١).

على أنَّ كلَّ ما قَضى به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فهو حُكْمُ الله، قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: ٨٥]، وقال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣ - ٤]. وقد ذكرنا قبلُ أنَّ من الوَحْي قرآنًا وغيرَ قرآن.

ومن حُجَّةِ من قال بهذا القول: قولُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ في شُرَاحَةَ الهمْدَانيَّة: جَلَدتُها بكتابِ الله، ورجمتُها بسنَّةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. وهذا لَفْظُ حديثِ قتَادةَ، عن عليٍّ، وهو مُنقطِع (٢).

وفيه: أنَّ الزانيَ إذا لم يُحصِنْ: حدُّه الجلدُ دونَ الرجم، وهذا لا خِلافَ بينَ أحَدٍ من أُمَّةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - فيه، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: ٢]. فأجمَعُوا أنَّ الأبكارَ داخِلُوَن في هذا الخطاب.

وأجمَع فقهاءُ المسلِمينً وعلماؤُهم من أهل الفقهِ والأثرِ من لَدُنِ الصحابةِ إلى يومِنا هذا، أنَّ المحْصنَ حَدُّه الرجمُ (٣).


(١) ذكر الطبري في تفسيره ٤/ ١٦ عن ابن زيد أنَّه قال: كتاب الله الذي كتبه، وأمره الذي أمركم به، وذكر الثَّعالبي في تفسيره ١/ ٣٦٣ كلام ابن عبد البر كما هو هنا واعتمده تفسيرًا للآية.
(٢) إنْ كان يقصد رواية قتَادة عن علي، فهي منقطعة لا ريب، لأنَّ قتَادة لم يسمع من عليٍّ، بل لم يسمع من أحدٍ من الصَّحابة إلا من أنس بن مالك كما قال أحمد بن حنبل (جامع التحصيل) ٣١٢ (٦٣٣)، ولكن لفظ حديث قتادة كما في المصنف لعبد الرَّزاق (١٣٣٥٤): أنّ عليًا جلد يوم الخميس، ورجم يوم الجمعة، فقال: أجلدك بكتاب الله، وأجلدك بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أمَّا إنْ أراد رواية قتَادة عن الشَّعْبي فقد أخرجها أحمد في المسند ٢/ ٣٧٣ (١١٨٥) بهذا اللفظ الذي ذكره المصنِّف، وأما حكمه بالانقطاع فقد وافقه فيه كثيرون وخالف غيرهم كما سيأتي.
(٣) يُنظر: المغني لابن قُدامة ١٠/ ١١٧، والإجماع لابن المنذر، ص ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>