للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أوْضَح شيءٍ فيما ذهَب إليه جمهورُ العلماء: حديثُ ابنِ شهابٍ المذكورُ في هذا البابِ؛ قولُه لأُنُيْسٍ أن يأتيَ امرأةَ الآخَرِ، فإنِ اعتَرَفت رَجَمها. فاعتَرَفت، فرجَمها، ولم يَذْكُروا جَلْدًا.

وأمَّا حديثُ عُبادةَ بنِ الصامتِ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قولُه: "الثيِّبُ بالثيِّبِ، جَلْدُ مئةٍ والرجمُ" (١). فإنَّما كان هذا في أوَّلِ نُزولِ آيةِ الجلدِ، وذلك أنَّ الزُّناةَ كانت عقُوبَتُهم إذا شَهِد عليهم أربعةٌ من العُدُولِ في أوَّلِ الإسلام، أن يُمْسَكوا في البيوتِ إلى الموتِ، أو يجعَلَ اللهُ لهم سبيلًا، فلمَّا نزَلَت آيةُ الجلْدِ التي في سورةِ "النورِ"؛ قولُه عزَّ وجلَّ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} الآيةَ [النور: ٢]، قام - صلى الله عليه وسلم - فقال: "خُذُوا عنِّي، قد جعَل اللهُ لهنَّ سبيلًا، البِكرُ بالبِكرِ، جَلدُ مئةٍ وتَغْرِيبُ عام، والثيِّبُ بالثيِّبِ، جلدُ مئةٍ والرَّجْمُ بالحجارةِ". فكان هذا في أولِ الأمرِ (٢)، ثم رجَم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جماعةً ولم يجلِدْهم، فعَلِمْنا أنَّ هذا حُكْمٌ أحدَثه اللهُ نسَخ به ما قبلَه (٣)، ومثلُ هذا كثيرٌ في أحكامِه وأحكام رسولِه ليَبْتَليَ عبادَه، وإنَّما يُؤخَذُ بالأحْدَثِ فالأحْدَثِ من أمرِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -.

ذكر عبدُ الرزاقِ (٤)، عن معمرٍ، عن الزهريِّ، أنه كان يُنكِرُ الجلدَ مع الرجْم، ويقولُ: رجَم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يجلِدْ.


(١) سيأتي تخريجه، إذ سيسوقه المصنِّف بإسناده.
(٢) في ر ١: "أول الإسلام".
(٣) يشير المصنف بذلك إلى نسخ هذا الحكم. وهذا ما نقله الحازمي في الاعتبار، ص ١٦٠ عن الجمهور، فبعد أن ذكر رأي من قال بالجلد مع الرَّجم وعدَّدهم قال: "وخالفهم في ذلك أكثر أهل العلم وقالوا: بل يرجم ولا يجلد، روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإليه ذهب إبراهيم النخعي والزُّهري ومالك وأهل المدينة والأوزاعي وأهل الشام، وسفيان وأبو حنيفة وأهل الكوفة، والشافعي وأصحابه ما عدا ابن المنذر، ورأوا حديث عُبادة منسوخًا، وتمسَّكوا في ذلك بأحاديث تدلُّ على النسخ".
(٤) المصنَّف لعبد الرَّزاق (١٣٣٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>