للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال مالكٌ: لا يحُدُّ الإمامُ القاذِفَ حتى يُطالبَه المقذوفُ، إلا أن يكونَ الإمامُ سَمِعه، فيحُدَّه إن كان معه شهودٌ غيره عُدُولٌ. قال: ولو أنَّ الإمامَ شَهِد عندَه شهودٌ عُدولٌ على قاذِفٍ، لم يُقِم الحدَّ حتى يُرْسِلَ إلى المقذوفِ وَينْظُرَ ما يقولُ، لعَلَّه يُريدُ سَتْرًا على نفسِه (١).

وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه، والأوزاعيُّ، والشافعيُّ: لا يُحدُّ القاذِفُ إلا بمُطالبَةِ المقذوفِ.

وقال ابنُ أبي ليْلَى: يحُدُّه الإمامُ وإن لم يَطلُبْه المقذوفُ (٢).

وفيه: أن يكونَ الرسولُ في حُكْم الدِّينِ واحدًا، كما أن الحكَمَ واحدٌ، وذلك كلُّه قُوَّةٌ في العملِ بخَبرِ الواحدِ.

وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أنَّ الحاكمَ يَقْضي بما يُقِرُّ به عندَه المُقِرُّ (٣)، وإن لم يَحْضُرْهُ أحَدٌ؛ لأنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقلْ له: احمِلْ معك من يسمعُ اعترافَها.

وفي ذلك: إيجاب القضاء بما علم القاضي وهو حاكمٌ، وسيأتي القول في قضاء القاضي بعلمه، واختلاف العلماء في ذلك، ووجوه أقوالهم وما نزَعوا به في باب هشام بن عُروة عن أبيه عن زينب بنت أبى سلَمة عن أمِّ سَلَمة من كتابنا هذا (٤) إنْ شاء الله، والله المستعان لا ربَّ سواه.


(١) مختصر اختلاف العلماء ٣/ ٣٢٠، وانظر: فتح الباري لابن حجر ١٢/ ١٤١، وعمدة القاري للعَيْني ١٣/ ٢٧٣.
(٢) مختصر اختلاف العلماء للطَّحاوي ٣/ ٣٢٠، وانظر: عمدة القاري للعَيْني ١٣/ ١٧٣.
(٣) انظر: شرح صحيح البخاري لابن بطّال ٨/ ٢٦٨، وفتح الباري لابن حجر ١٢/ ١٤٢.
(٤) في الحديث الحادي والثلاثين لهشام بن عروة آخر الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>